في يومٍ من الأيام، من بين الزوابع الترابية لنظام شمسي ناشئ، وبغلاف جوي غني بالأكسجين وداعم للحياة، بزغ موطن عملاق للبشرية اسمه كوكب الأرض.
بمجرد أن بدأ ذلك الكوكب الوليد في تنظيم نفسه بين إخوته في مدارات تتمحور حول مركز واحد؛ بدأت قاراته ومحيطاته وغلافه الجوي في التشكل، ودبت الحياة على سطحه. أثبت كوكب الأرض أنه الأكرم بين إخوته في النظام الشمسي، ذلك بما وُهِب من منافع متعددة جعلته داعمًا للحياة ومكنته من احتضان البشرية في ربوعه.
وكان يوجد بعد أكبر لهذه الامتيازات عُني به البشر؛ إذ جعلت موارد كوكب الأرض منه وسطًا مناسبًا لإرساء أسس الحضارة. وعلى الرغم من ذلك، فلا يعني دعم الكوكب للحياة بالضرورة أنه أرض للأحلام؛ فهو لم يكن قط مدينة فاضلة.
فعلى مر القرون وحتى يومنا هذا، سعى الإنسان ليجعل حياته أفضل؛ ومن ثَمَّ، سخر قدراته الإبداعية لإنتاج كم وفير من الاختراعات؛ ولم تكن هذه الاختراعات تجليًا ملموسًا لبراعة الإنسان فحسب، بل كانت أيضًا بمثابة مقياس لتاريخ تطور البشرية.
وهنا، لا يسعنا إلا أن نلقي الضوء على المقولة الشهيرة «الحاجة أمُّ الاختراع». بشكل عملي، نجد أنه من المستحيل دراسة تاريخ تطور الإنسانية وعلومها دون التطرق لمجموعة من الحاجات الأساسية التي تمثل جزءًا لا يتجزأ من وجود الإنسان.
في كلِّ زمان وكلِّ ثقافة، تقف الاختراعات على قمة تطور البشرية. وأينما كان سياقها في سلسلة التطورات التكنولوجية، تكشف طبيعة اختراعات البشر ونطاقها عن ضرورتها في الحياة الحديثة. فعبر تاريخ الإنسانية، مكنت هذه الحاجات الأساسية الإنسان من تبديل شكل الحياة على سطح الأرض مُحدِثًا نتائج واسعة في شتى مناحي الحياة.
وعلى الجانب الآخر، تحدث تغيرات جذرية في المناخ، وتزيد الكثافة السكانية باطراد، وترتفع مستويات التلوث، ويحدث التلوث النووي المدمِّر، وتشح المواد المائية، ويندُر الطعام، وغيرها كثير من مظاهر الفشل البيئي التي تأتي لتهدد علاقة الإنسان بكوكبه. وهذا يتطلب خطة منظومة لمواجهة سلبيات الابتكار التكنولوجي.
باختصار، أصبح لا يمكننا الاستغناء عن هذه الحاجات الأساسية؛ حيث إنها انتسجت في أدق تفاصيل حياتنا اليومية على كوكب الأرض.
Cover image by rawpixel.com on Freepik
ذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد الحاجات الأساسية (شتاء 2015).