بوصفه أقرب كوكب إلى الأرض؛ حيث يبعد عنها بمسافة تقدر بثمانين مليون كيلو متر فقط، يعد كوكب المريخ التفاحة الحمراء الناضجة في مجال استكشاف الفضاء. ومع ذلك، يمثل الكوكب الصغير تحديًا كبيرًا نظرًا لتضاريسه القاسية، وجوِّه السام، ومناخه المتطرف. وقد سمي كوكب المريخ بذلك الاسم نسبة إلى إله الحرب القديم عند الرومان، وهو الكوكب الرابع بعدًا عن الشمس، ويبلغ حجمه نصف حجم كوكب الأرض، وله قمران هما: فوبوس وديموس.
أجرى الاتحاد السوفيتي أول محاولة لإرسال مسبار إلى سطح المريخ في ستينيات القرن الماضي؛ ومع ذلك، أخفق المسبار الملقب بمارسنيك 1 في الوصول إلى مدار الأرض، وانتهت المهمة بالفشل. وفي عام 1993، أطلقت وكالة ناسا برنامج استكشاف كوكب المريخ سعيًا إلى تحقيق أربعة أهداف طموحة؛ وهي: تحديد ما إذا كان هذا الكوكب الأحمر قد استضاف الحياة في زمن ما، ودراسة جيولوجيا الكوكب ومناخه ووصفهما، وأخيرًا الاستعداد للاستكشافات البشرية على سطح الكوكب.
وعلى مرِّ السنين، واجه البرنامج تحديات ضخمة؛ من دخول مدار الكوكب إلى الهبوط على سطحه. وكان من أصعب التحديات تطوير التقنيات التي يمكن أن تعمل بشكل صحيح في البيئة المعادية على سطح المريخ؛ فكان يجب تطبيق مناورات هندسية لا تعد ولا تحصى للتأكد من أن المسبار، والبالونات، ونظم أخذ العينات يمكنها أن تصمد وتعمل بشكل صحيح تحت الظروف البيئية القاسية لصحراء المريخ.
كانت الاستراتيجية الأساسية للبرنامج ببساطة البحث عن علامات الحياة لإثبات ما إذا كان كوكب المريخ في زمن ما، أو ربما سيكون في المستقبل، بيئة صالحة لمعيشة أشكال الحياة البيولوجية. ولأن الماء هو سر الحياة، ركزت بعثات كوكب المريخ الأولى –مارس أوديسي 2001، ومارس إكسبلوريشن روفرز، ومارس ريكونيسانس أوربيتر، ومارس فينيكس لاندر– على اكتشاف أية علامات لوجود مياه في الماضي أو في العصر الحالي. فأشارت صور من البعثات الاستكشافية إلى وجود مياه على سطح المريخ في الماضي، كما أشارت بقوة أحجام النماذج الجيولوجية وأشكالها وتوزيعها –مثل الرمال، والحصى، والصخور الصغيرة– إلى أنها تشكلت بفعل المياه وحركتها في الماضي القديم.
حتى الآن، أتم مسبار كيوريوسيتي جميع مهماته، وقد أُطلق ذلك المسبار الذي يبلغ وزنه 899 كجم وهو في حجم السيارة إلى المريخ في 26 نوفمبر 2011 من قاعدة كيب كانافيرال للقوات الجوية، وهبط على سطح المريخ في 6 أغسطس 2012 في سهل أيولس بالوس*. وكان الهدف الأول للمسبار قضاء 687 يومًا بفوهة غيل على سطح المريخ؛ ومع ذلك استغرق تمشيط تربة المريخ المتواصل نحو 1.532 يومًا، أي ما يقرب من أربع سنوات. وقد استمر العمل ليلًا ونهارًا في جميع فصول العام، وذلك باستخدام مجموعة خاصة من المولدات الحرارية التي تعمل بالنظائر المشعة؛ حيث تحول الحرارة الزائدة عن طريق نظام الاحتباس الحراري الداخلي للحفاظ على معدات المسبار الإلكترونية الحساسة التي تتولى مهمة أخذ العينات وتحليلها في درجة حرارة التشغيل العادية المحمية من أجواء المريخ الباردة.
وبوصفه أول سفير للأرض على سطح المريخ، قام مسبار كيوريوسيتي بعمل عظيم في دراسة جيولوجيا المريخ ومناخه، والتحقيق في إذا ما كان حقل البحث المختار −فوهة غيل− استضاف يومًا أي نوع من الحياة الميكروبية. ويقوم المسبار الآن بتوفير المعلومات التي ستصبح يومًا ما حجر الزاوية للاستكشاف البشري على سطح المريخ في المستقبل.
مع ذلك، فسيكون إرسال البشر إلى سطح المريخ تحديًا مختلفًا تمامًا مع غلاف جوي أرق مائة مرة من الغلاف الجوي لكوكب الأرض، ومتوسط درجة حرارة يبلغ -63° مئوية. ويعد هبوط سفينة تحمل بشرًا على سطح المريخ بأمان أمرًا صعبًا للغاية نظرًا للتضاريس غير المستوية للكوكب الذي يتكون أساسًا من تضاريس جبلية مليئة بالخصائص الصخرية الوعرة مثل التلال، والفوهات، والخنادق. فيجب انتقاء مواقع الهبوط بعناية وتصميم دوافع الهبوط بطريقة تضمن الهبوط اللين والمستقر لتجنب انقلاب المركبة.
ولا يزال مستقبل برنامج استكشاف كوكب المريخ ضبابيًّا؛ فبسبب التكلفة الضخمة للبعثات السابقة، والارتفاع الاستثنائي لمعدلات الفشل، أصبح من الصعب جدًّا حشد دعم شعبي كافٍ لتوفير الأموال اللازمة لأي بعثة أخرى. ومع ذلك، فلا يزال العلماء يأملون في مرحلة ما في المستقبل القريب في وجود ما يكفي من الإرادة والوسائل اللازمة لمواصلة ماراثون استكشاف المريخ، وفي نهاية الأمر جمع ما يكفي من المعرفة لتمكين الجنس البشري من زيارة جارهم الأحمر الخجول.
المراجع
marstech.jpl.nasa.gov
marsmobile.jpl.nasa.gov
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء 2017.
Cover image by Freepik