منذ البواكير الأولى للزراعة، وتحول حياة الإنسان من الجمع والصيد إلى الاستقرار الذي مكن البشر من بناء حضارتهم، أرست التربة مكانتها بين العناصر الأساسية للحياة على كوكب الأرض، مثلها مثل الماء.
ورغم أن التكنولوجيا الحديثة قد جعلت الزراعة وإنتاج الطعام دون تربة ممكنة، فلا يمكننا التغاضي عن حقيقة اعتماد البشرية على التربة بشكل أساسي لإنتاج الغالبية العظمى من غذائها.
حرث الحقول في مصر القديمة. مشهد من مقبرة سن-نيجم، 1200 قبل الميلاد.
Image source: ar.wikipedia.org
أنواع التربة
يمكننا وصف التربة بأنها نظم أو مسطحات تضم مجموعة من العناصر المتنوعة التي تؤدي معًا وظيفة محددة. وتصنف التربة إلى ثلاثة أنواع رئيسية وفقًا لتكوينها وملمسها: التربة الرملية والتربة الطميية والتربة الطينية. ونظرًا لاختلاف طبيعة كلٍّ من تلك الأنواع الثلاثة، فإن لكل منها طريقة مثلى للتعامل معها ومحاصيل تناسبها أفضل من غيرها.
التربة الرملية قوامها محبب وجسيماتها كبيرة (2.00–0.5 مم)، ما يجعل الماء يتسرب بسهولة بين حباتها إلى الأسفل مؤديًّا إلى سهولة إصابتها بالجفاف. تحتفظ التربة الرملية بكمية قليلة من المغذيات، ولهذا فهي أقل خصوبة من النوعين الآخرين. أما التربة الطينية، فهي عكس ذلك؛ حيث تتكون بنسبة 30٪ من جسيمات طينية (أقل من 0.002 مم). وهي تستطيع الاحتفاظ بالمغذيات والمياه لفترات أطول كثيرًا، كما أنها أكثر مقاومة للجفاف ولدرجات الحرارة القاسية. ولكن تكوينها وقوامها المضغوط يجعلان زراعتها والاعتناء بها صعبًا للغاية، كما يجعل تخلل الهواء والماء والمغذيات لها صعبًا أيضًا.
وأما التربة الطميية، فهي مزيج من الجسميات الطميية (من 0.5 إلى 0.002 مم) والرملية والطينية. وهي تعدُّ التربة المثالية؛ إذ تجمع بين مميزات التربتين الطينية والرملية وتتجنب عيوبهما. فتحتفظ جسيمات الطين والطمي بالرطوبة، في حين تخفف جسيمات الرمل قوام التربة وتحسن قدرتها على تصريف المياه.
أنواع التربة. Image source: gardenerdy.com
تكوين التربة
تضم التربة خمسة مكونات؛ هي: المعادن، والمواد العضوية، والكائنات الحية، والغاز، والماء. تضم معادن التربة الحديد، والبوتاسيوم، والمغنيسيوم، والكبريت، وغيرها. أما المواد العضوية، فهي بقايا النباتات والحيوانات والميكروبات التي ما زالت قيد التحلل، والتي تُعرف بالدبال. وأما الكائنات الحية فتضم البكتيريا، والفطريات، والديدان الخيطية، وديدان الأرض، والخنافس، وحيوانات الخلد. تحسِّن هذه الكائنات بِنية التربة وتهويتها وتخلل الماء لها.
وجدير بالذكر أن نسبة الكائنات النافعة والدبال في التربة مؤشر مهم جدًّا على جودتها ومدى خصوبتها. وفقًا للموسوعة البريطانية، يمكن أن يضم المتر المربع من التربة الغنية ما يصل إلى مليار كائن حي.
المسامات الموجودة بين جسيمات التربة تكون إما مملوءة بالماء أو الهواء. ووفقًا لـLandcare Research، تتكون الغازات الموجودة في التربة من 79٪ نيتروجين، وأقل من 20.6٪ أكسجين، وأكثر قليلًا من 0.2% ثاني أكسيد الكربون. وتظل تلك الغازات في حالة تبادل مستمر مع غازات الغلاف الجوي.
التحديات
التربة تواجه تحديات عديدة حول العالم، مثلها مثل جميع مواردنا الثمينة الأخرى. وتشمل تلك التحديات التعرية، والتملُّح، والتلوث، والتحمض، وغيرها كثير. والآن دعونا نتناول اثنين من تلك التحديات.
التعرية هي خسارة الطبقة العليا من التربة، والمعروفة أيضًا بالتربة السطحية، بفعل الماء والرياح وحرث التربة، وغيرها من عوامل التعرية. وتتمثل المشكلة في أن التربة السطحية هي الطبقة الأغنى بالمغذيات، وبالتالي فإنها الأكثر خصوبة. إن تعرية التربة تحدث في كل مكان في العالم، ويتوقع أنها ستؤدي بنا إلى خسارة ما يصل لـ10٪ من المحاصيل بحلول عام 2050.
المقصود بتملُّح التربة زيادة تركيز الأملاح القابلة للذوبان فيها. يتجلى تملُّح التربة في المناطق القاحلة التي تشهد معدلات بخر عالية وأمطار غير كافية لتعويض تلك المياه المفقودة. وجدير بالذكر أن التملُّح يمثل مشكلة كبيرة في الأراضي الزراعية في دلتا النيل، نتيجة لتسرب مياه البحر وممارسات الري والصرف غير الملائمة. ومن أجل مواجهة هذا التحدي الكبير الذي يمثل تهديدًا لأمننا الغذائي، يحتاج المزارعون –إلى جانب التخلي عن الممارسات الزراعية غير المستدامة– إلى اعتماد ممارسات الزراعة الملحية وزراعة المحاصيل الأكثر تحملًا للملوحة.
تملُّح التربة. Image source: flickr.com
المراجع
britannica.com
fao.org
holganix.com (1)
holganix.com (2)
nagwa.com
nature.com
nesdis.noaa.gov
rhs.org.uk
saline-agriculture.com
soils.landcareresearch.co.nz
Cover image by vecstock on Freepik