لقد خلقنا الله تعالى شعوبًا وقبائل لنتعارف؛ ولعل هذا لا يقتصر على بني البشر فقط، وإنما لنا في الوجود شركاء آخرون. فالحيوانات لها حق في الحياة بما لديها من مقومات؛ أولها الأحاسيس والمشاعر، وأعظمها قوى عجيبة تفوق قدرات البشر، وأوسطها المشاركة في كل سبل العيش. وقد سعى العلماء دائمًا إلى فك شفرة رموز الحيوانات، ولكن بفضل التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي في الآونة الأخيرة قد يصبح هذا الحلم حقيقة.
وهذا ما يحاول العلماء في Earth Species Project (ESP) (مشروع الأنواع الحية على الأرض) الوصول إليه عن طريق تطويع نظم الذكاء الاصطناعي لتحليل أصوات الحيوانات وفهمها وربطها بسلوكياتها، وهذا ما أعلنت عنه كاتي زاكاريان؛ الرئيس التنفيذي للمنظمة. وما وصل إليه الذكاء الاصطناعي من تطور مكننا من تحليل كميات هائلة من البيانات ومعالجتها لفهم لغة الحيوانات الموجودة في كل من الغابة والبحار، والتى لا تقتصر على المحادثات الشفهية فقط وإنما تشمل أيضًا عناصر جسدية وحركية، تشبه إلى حد كبير تفاعل البشر مع بعضهم بعضًا.
بالتعاون مع أكثر من أربعين مؤسسة بيئية وبيولوجية حول العالم تستخدم أحدث الأدوات من أجهزة التسجيل والاستشعار الموضوعة من أعالي الجبال إلى أعماق البحار للحصول على أكبر قدر ممكن من محادثات الحيوانات، تجمع منظمة ESP هذه البيانات وتحللها بواسطة الذكاء الاصطناعي، لفهم هذه المخلوقات بأفضل صورة ممكنة. ويُستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل الصوتيات الحيوية Bioacoustics التي تشير إلى الأصوات الفريدة الصادرة عن الفصائل المختلفة من الكائنات الحية، إلى جانب الصوتيات البيئية Ecoacoustics التي تتعلق بالبيئة المحيطة بالحيوان لتعرف أنماط الاتصال وربطها بسلوك الحيوانات.
ولم يتركز البحث بمنظمة ESP على الحيوانات البرية فقط؛ مثل الثدييات والفيلة والطيور ونحل العسل، بل استحوذت الثدييات البحرية؛ مثل الحيتان والدلافين، على اهتمام العلماء والباحثين لما تقدمه من معلومات أكثر إثارة وأهمية. فقد استطاعوا من خلال الصوتيات الحيوية اكتشاف أنواع جديدة من الحيتان الزرقاء، فلكل مجموعة منها موجات صوتية مميزة. وكذلك ساعدت على معرفة أثر أنشطة الإنسان على البيئة، مثل قطع الأشجار غير القانوني، والصيد بالديناميت، وغيرهما من الأنشطة الضارة؛ وكيف ينتج عنها حالة من الذعر والتوتر لدى الحيوانات عند تعرض بيئتها للاضطراب والتدمير، فتعبر عنها بموجاتها الصوتية.
لقد دفع هذا العلماء إلى سن قوانين أقوى للحفاظ على البيئة وحماية الحيوانات، وطُبقت بالفعل على الساحل الغربي للولايات المتحدة، كما أُنشئت مناطق حماية رئيسية أكثر في المنطقة؛ بهدف حماية العالم الطبيعي والحفاظ عليه. وكذلك قد تمكن العلماء من فهم لغة الحيوانات من خلال موجاتها الصوتية، بل ومساعدتها على الحفاظ على حياتها وتكيفها البيئي.
لا يزال مجال الذكاء الاصطناعي جديدًا نسبيًّا ويتطور سريعًا، ونحن لا نعرف تمامًا كيف ستتطور علاقتنا بهذه التقنيات في المستقبل. ولذلك يجب علينا أن نتأكد من أن جهودنا للتواصل مع الحيوانات ترتكز على الاحترام التام لاستقلاليتها، وعدم فرض سيطرة الإنسان عليها، لكي يكون هذا التواصل واحد من أعظم إنجازات البشرية.
المراجع
earthspecies.org
popularmechanics.com
metaroids.com
Cover image by Freepik