لطالما كان الضوء أو الموجات الكهرومغناطيسية الوسيط الأساسي بيننا وبين الكون؛ وربما كان الوسيط الوحيد الذي وصلنا من الفضاء وساعدنا على دراسة تشكل الكون والمواد الموجودة فيه، إلى أن وصلنا إلى اكتشافات مثيرة. فخلال العقود الماضية اكتشف العلماء جسيمات وموجات أخرى تصلنا من الفضاء؛ كالنيوترينو، وموجات الجاذبية، والأشعة الكونية التي ساهم فهمها في اكتشاف تفاصيل أكثر حول تكوينات الأجرام السماوية وفيزياء الكون.
النيوترينو
ظهرت فكرة وجود النيوترينو، الجسيم الذي يكاد يكون معدوم الكتلة، عندما حاول الفيزيائي الألماني ولفجانج باولي تفسير فرق الطاقة الناتج عند اضمحلال نيوترون إلى بروتون أو العكس، بما يعرف باضمحلال بيتا، وتوقع أن النيوترينو ينبعث حاملًا الطاقة المتبقية. وبالفعل رُصد النيوترينو لأول مرة في تجربة مفاعل نووي سنة 1956.
أعضاء مشروع المفاعل النووي الذي رصد النيوترينو سنة 1956. في أقصى اليمين فريدريك رينس، وفي أقصى اليسار كلايد كوين؛ المسئولان عن المشروع.
مصدر الصورة: Los Alamos National Laboratory/wikipedialibrary
ساهم النيوترينو في فهم التفاعلات التي تغذي النجوم ومن ثم تُشكِّل الكون. وبما أنه يستطيع إحداث انشطار نووي في أكبر أجسام الكون وأكثرها كثافة، يلعب النيوترينو دورًا مهمًّا في اكتشاف الجسيمات الأساسية الأخرى ورصدها، خاصة تلك المسئولة عن تغذية الوقود في أجسام لا زلنا نجهل تكوينها الداخلي، مثل النجوم النيوترونية التي يشع اصطدامها عددًا هائلًا من النيوترينو.
وتتوقع نظرية الانفجار العظيم انفصال جسيمات النيوترينو عن المادة في الثانية الأولى من حياة الكون. ولأنه نادر التفاعل مع المادة، لا زالت بقاياه تملأ كوننا. وقد رُصد تأثير بقايا النيوترينو على الكون في شكل انحناءات وعدم تماثل في توزع الخلفية الكونية الميكروية؛ وهي بقايا الفوتونات المنتشرة في كوننا مذ كان عمره نحو 350 ألف عام. وستساهم الدراسات المكثفة حول تلك البقايا في فهم اللحظات الأولى للكون ومحو مزيد من الغموض المتعلق بالانفجار العظيم.
قد تهتم بقراءة مزيد من المعلومات عن وسائط أخرى بيننا وبين الفضاء؛ طالع موضوعي «الموجات الجاذبة»
و«الأشعة الكونية (عدد خريف 2013، ص5)» في مجلة كوكب العلم.
من خلال معرفة تلك الجسيمات والموجات لا ندرس الكون المرئي فحسب، بل نحاول تعرف المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي من الواضح لنا أنها لا تتفاعل مع الضوء أو الموجات الكهرومغناطيسية؛ فإن اكتشاف وسائط أخرى تبعث لنا برسائل من الفضاء بمثابة فتح نافذة جديدة على الكون. ورغم صعوبة رصد بعضها لندرة تفاعلها مع المادة، فإننا بلا شك نترقب اكتشافات مثيرة مع تطور آلات الرصد.
المراجع
arxiv.org
ddd.uab.cat (pdf)
icecube.wisc.edu
journals.aps.org
neutrinos.fnal.gov
neutrinos.fnal.gov
صورة الغلاف cover photo: رسم توضيحي لاصطدام نجمين نيوترونيين. الحقوق: NASA