العالمة العظيمة ماري كوري

شارك

يرتبط اسم ماري كوري (1867-1934) في أذهاننا جميعًا بالعظمة؛ ليس فقط بسبب الاكتشافات العلمية التي قامت بها، ولكن أيضًا لطريقتها المثالية في إدارة حياتها. واسم ماري كوري اسم معروف في جميع أنحاء العالم من قِبل العلماء والعامة على حد سواء. وتجسد مارى كوري شخصية العالمة المثابرة والأم المتفانية والإنسانة العطوفة. وقد أدى عملها الرائد في مجال النشاط الإشعاعي إلى الكشف عن مجال علمي جديد وهام مهد الطريق لانبثاق عصر جديد في البحث الطبي والعلاجي.

وقد عاشت ماري كوري في عصر لم تقف فيه المرأة على قدم المساواة مع الرجل، إلا أنها لم تدع ذلك يقف في طريق طموحها وعملت بجهد لتحقيق أحلامها. فكانت رائدة في العديد من الأمور؛ فهي أول امرأة تحصل على شهادة الدكتوراه في فرنسا في عام 1903، وكانت أول امرأة تعمل في مجال التدريس بجامعة السوربون بباريس، وهي أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، بل وأول شخص يفوز بتلك الجائزة مرتين. وعلاوة على ذلك، فقد دُفنت في الضريح الوطني الفرنسي تقديرًا لإنجازاتها العلمية وتفانيها في العمل من أجل حياة أفضل للبشرية، وبذلك أصبحت أول امرأة ترقد بجوار أعظم رجال فرنسا نتيجة أعمالها العظيمة.

وفي عام 1903، فازت ماري كوري بالاشتراك مع زوجها بيير كوري والفيزيائي هنري بيكريل بجائزة نوبل في الفيزياء، وذلك لعملهم المشترك في مجال النشاط الإشعاعي. وقد بدأ شغف ماري بمجال الإشعاع في عام 1895 عندما اكتشف ويلهيلم كونراد رونتجن الأشعة السينية، ثم اكتشاف أنطوان هنري بيكريل لانبعاث إشعاعات غير مرئية من اليورانيوم.

بدأت ماري في دراسة أشعة اليورانيوم باستخدام تقنيات الكهرباء الانضغاطية التي قام زوجها باختراعها. فكانت تقوم بقياس الإشعاعات في اليورانينايت، وهو معدن خام يحتوي على اليورانيوم. وعندما اكتشفت أن الإشعاعات المنبعثة من ذلك الخام أكثر كثافة من الإشعاعات المنبعثة من اليورانيوم نفسه، أدركت أنه قد يكون هناك عناصر غير معروفة أكثر إشعاعًا من اليورانيوم.

فعملت ماري كوري وزوجها بجٍّد طويل حتى تمكنا أخيرًا من عزل مصادر الإشعاع عن الخام؛ وأطلقا على تلك العناصر اسمي البولونيوم والراديوم. "وتقديرًا لمجهوداتها العظيمة في تطوير علم الكيمياء باكتشاف عنصري الراديوم والبولونيوم، عن طريق عزل الراديوم ودراسة طبيعة ذلك العنصر الهام ومركباته"، فازت ماري كوري بجائزة نوبل للمرة الثانية في الكيمياء في عام 1911.

ولو لم تكن ماري كوري امرأة غير عادية لما كان لها من الصبر والإصرار على إنجاز تلك الاكتشافات. ولقد تأصلت تلك الصفات فيها منذ طفولتها؛ حيث أدرك والداها أهمية التعليم الجيد والعمل الدءوب. وعلى الرغم من أنها ولدت وترعرعت في بولندا المحتلة؛ حيث تعرض المثقفون للقمع ولم يحظَ المواطنون بقدر جيد من التعليم بهدف فرض سيطرة الاحتلال عليهم، فإن والدي ماري كوري لم يتخلا في غمار تلك الظروف عن حقوق أطفالهم في التعليم، فبذلا كل ما بوسعهم لضمان حصولهم على أساس علمي جيد وعقول تحليلية سليمة.

ثم تركت ماري بولندا متجهةً لفرنسا لإشباع نهمها العلمي، ولكنها لم تنس أبدًا جذورها فأطلقت اسم بولونيوم على أول عنصر قامت باكتشافه تكريمًا لبلدها الأم.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، ساهمت ماري كوري بطبيعتها الوطنية وبمجهوداتها العلمية في التصدي للحرب قائلةً: "لقد عقدت العزم على أن أبذل كل ما في وسعي للدفاع عن وطني الثاني؛ حيث إنني لا أستطيع عمل أي شيء لمساعدة وطني الأم في الوقت الحالي". وأدركت ماري أنه يمكن أن تستخدم الأشعة السينية لمعالجة الجرحى لتسهيل عملية الكشف عن أماكن الرصاصات والشظايا والكسور في العظام مما يؤدي إلى تخفيف آلام الجنود بسرعة أكبر. كما قامت بإقناع الحكومة لمساعدتها على إنشاء أول مراكز أشعة عسكرية بفرنسا، وفي أواخر عام 1914 أصبح هناك عشرون عربة مزودة بأجهزة الأشعة السينية لتقديم المساعدة على جبهة القتال. وبالإضافة لذلك، كانت تقود أحد العربات بنفسها بمساعدة ابنتها، فقامتا معًا بتدريب مجموعة من النساء على العمل داخل وحدات الأشعة المتنقلة.

ولم يقتصر تأثير ماري كوري على توضيح أثر الاكتشافات العلمية وكيفية تنفيذها لما هو في صالح الإنسانية، فقد حرصت أيضًا على نشر معرفتها العلمية بالإشعاع؛ وذلك ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الناس. وقد أوضحت أن "النشاط الإشعاعي هو العملية الطبيعية التي تتفتت من جرائها العناصر الثقيلة مثل اليورانيوم والبولونيوم والراديوم فتنكسر من تلقاء نفسها. وخلال تلك العملية، تنفصل بعض الأجزاء من تلك الذرات المشعة فتخرج في شكل أشعة جاما، والتي تستخدم في علاج العديد من أمراض السرطان".

وفي عام 1920، قامت ماري كوري، بالتعاون مع عدد من زملائها، بتأسيس مؤسسة كوري، والتي أصبحت على مدى العقدين التاليين قوة عالمية هامة في علاج السرطان. ومن أول إنجازات تلك المؤسسة تأسيس مستوصف لتطوير العديد من العلاجات المبتكرة؛ حيث تم دمج الجراحة بالعلاج بالإشعاع لعلاج السرطان. وكانت مؤسسة كوري نموذجًا لمراكز السرطان حول العالم.

ومع انشغال ماري كوري بأبحاثها وعملها في مجال التدريس، إلا أنها عملت على إيجاد الوقت لإدارة مدرسة تعاونية لصالح بناتها، وذلك بالتعاون مع العديد من أولياء الأمور المتخصصين الرافضين لنظام المدارس الفرنسية؛ حيث وافقت كل أسرة على تدريس فصل واحد كل أسبوع حسب مجال عملهم. كما عملت ماري على تعزيز أصولها البولندية من خلال توظيف مربيات بولنديات، كما حرصت على اصطحاب بناتها لبولندا من حين لآخر.

إذًا، فقد حصلت ماري كوري على كل شيء، بكل ما يحمل ذلك من معان، فقد كانت ناجحة في كل شيء تقوم به. وتدين ماري بالفضل لوعي والديها بأهمية تعليم البنات وحرصهما عليه، كما كانت مثالاً للإنسان المجتهد الذي يبذل كل ما في وسعه لتحقيق النجاح في جميع المجالات التي يعمل بها. وفي كثير من الأحيان كان لديها العديد من الفرص لتعيش حياة المشاهير أو لتشارك في الأنشطة التجارية المربحة التي ظهرت عقب اكتشاف الراديوم، لكنها لم تنغمس في أي من ذلك، فلم يغب هدفها الأساسي عن ناظرها أبدًا، وهو الاستمرار في إفادة البشرية من خلال الاكتشافات العلمية والتدريس.

قد تهتم أيضًا بقراءة موضوع «لنقترب سويًّا من ماري كوري»

 

المراجع

The Science News-Letter, Vol. 26, No. 692 (Jul. 14, 1934), p. 19. Published by:Society for Science & the Public

The Women's Review of Books, Vol. 12, No. 8 (May, 1995), p. 5. Published by Old City Publishing, Inc.

Science, New Series, Vol. 267, No. 5205 (Mar. 24, 1995), pp. 1842-1843. Published by: American Association for the Advancement of Science

www.aip.org

www.bbc.co.uk

www.curie.fr

www.ideafinder.com

www.mariecurie.org.uk

nobelprize.org (1)

nobelprize.org (2)

www.nytimes.com

www.21stcenturysciencetech.com

 


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد الفصل الدراسي الثاني 2010/2011.


من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية