إن التلفزيون، والألعاب الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والأخبار مصادر قد تعرض مشاهد للعنف بشتى درجاته مستهدفة جميع الفئات. فتخيل معي طفلًا يجلس أمام التلفاز يشاهد فيلمًا كرتونيًّا لمعركة دامية بين طرفين؛ ما السلوك الذي تنتظره من هذا الطفل عند حل مشكلاته؟ أو تخيل مراهق يشاهد فيلمًا عدوانيًّا به مشاهد طعن أو قتل؛ ماذا لو كانت بيئة تربيته مغذية لتلك الأفكار العنيفة!
يشير التصرف العنيف إلى أي فعل قد يؤذي شخصًا ما؛ وتتنوع درجة العنف من مجرد دفع شخص ما إلى قتله. وعادةً تجذب صناعة الإعلام والترفيه المشاهدين بصور وطرق شاذة متطرفة، ولكن مشاهدتك المستمرة لهذه الأفعال يجعل العنف مستساغًا. وحتمًا ستتحول مشاهد العنف المرئية إلى إيذاء حقيقي لنفسك أو لغيرك، بل وستغرز في عقلك أن رد الفعل العدواني الطريق الوحيد لحل أي نزاع قائم.
كيف تؤثر مشاهدة العنف على الأطفال والشباب؟
1– التأثير الفسيولوجي
إن الساعات التي يقضيها الطفل أو المراهق أمام التلفاز أو الألعاب الإلكترونية تؤثر بشكل هائل على الناقلات العصبية بالمخ؛ فتزيد من إفراز هرمون الأدرينالين بسبب الاستجابة العاطفية للمواقف المؤثرة. وهذا الهرمون بدوره يرفع من حدة التوتر والقلق؛ مما يؤثر على صحة القلب والشرايين إذا تم إفرازه بصورة مفرطة.
وكذلك التعرض إلى المشاهد المثيرة وأعمال العنف، مثل ظهور مسدس أو سكين، تهيئ المخ للعنف؛ مما يجعل العدوان أكثر احتمالًا. وتلك التهيئة تحدث عن طريق تحفيز مناطق معينة في الدماغ، مثل الفص الأمامي الذي يتحكم في التفكير والسلوك واتخاذ القرارات، والفص الخلفي الذي يتحكم في المعالجة البصرية؛ فيشتت الذهن في التمييز بين الواقع والخيال.
2– التأثير الاجتماعي
ننتقل من مرحلة التهيئة لمرحلة التجربة؛ فالأطفال والمراهقون يميلون بشكل عام إلى تقليد ما يرونه أو تخزينه مؤقتًا في ذاكرتهم. فالعقل البشري ينشط عند ملاحظة سلوك ذي تأثير نفسي.
يبدأ الطفل أو المراهق في توظيف ما خزنه من سلوكيات عنيفة في المواقف التي يواجهها دون تمييز لحجم المخاطر المترتبة على هذا الفعل، ثم تتحول ردود أفعالهم إلى عدوانية وعنف تجاه الآخرين؛ مما يؤدي إلى انتشار الجرائم في المجتمع.
3– التأثير النفسي
إن التعرض المتكرر للمشاهد العنيفة يولِّد عند الطفل شعور لا مبالاة، ويُحدِث انخفاض في حدة المشاعر السلبية التي يشعر بها إذاء تعرضه لمشاهد عنف. فعلى سبيل المثال، تزداد ضربات القلب والتعرق عند مشاهدة سفك الدماء، ومع التعرض المتكرر لهذه المشاهد يعتادها الطفل ويصبح أقل حساسية تجاهها. وبوجه عام تسبب مشاهدة العنف قلق الطفل وتوتره؛ مما يؤدي إلى تشويش في التفكير وعدم فهم قيم الاحترام والسلامة.
كيف يمكننا التغلب على هذه المشكلة؟
1– يجب تحديد وقت محدد خلال اليوم لمشاهدة التلفاز أو استخدام الهاتف بغرض اللعب، وليكن ساعة يوميًّا. وخلال هذه الساعة، يجب تحديد المحتوى المعروض أمام الطفل ومراقبته على أن يكون بعيدًا تمامًا عن أي ممارسات عنيفة.
2– يجب إلهاء الطفل وتعويض وقت فراغه بنشاطات أكثر منفعة مثل قراءة الكتب، أو ممارسة الرياضة؛ فعلى الرغم من فوائدها، إلا أنها تشغل العقل وتقلل من فرصة الجلوس لساعات طويلة أمام التلفزيون.
3– على الوالدين تشجيع الأطفال على المشاركة في الأعمال المنزلية، إذ تقوي ثقة الطفل بنفسه، وتعزز الرابطة بينهم؛ ومن ثم تنعدم رغبة الطفل في مشاهدة التلفزيون تدريجيًّا.
4– مراعاة مناقشة المشكلات الأسرية بعيدًا عن الأطفال، إذ يكتسب الطفل السلوك من المواقف التي يواجهها مع الأهل ويتعلم من ردود أفعالهم.
5– ينبغي تشجيع الحوار المفتوح مع الأطفال والشباب حول المحتوى الذي يشاهدونه، وتقديم الدعم والإرشاد لمساعدتهم على إيجاد بديل أكثر أمانًا.
وفي الختام، علينا أن ننتقي ما نشاهده وما نعرضه أمام أطفالنا، حرصًا على صحتهم النفسية والجسدية، ولأننا مسئولون جميعًا عن بناء بيئة آمنة لنمو وتطور الأجيال القادمة.
المراجع
apa.org
ncbi.nlm.nih.gov
psychiatrictimes.com
Cover Image By freepik