النساء نبع الحياة الذي لا ينضب، فهن حجر أساس الأسر والأمم؛ ليس لدورهن الفعال في استمرار الحياة فقط، بل لإسهاماتهن المستمرة في تقدم البشرية وتطور الحضارة أيضًا، وهو دور لا يمكن إنكاره. ولأنه يصعب الإشارة إلى جميع النساء اللاتي تفوَّقن في مجالات الفن والسياسة والعلوم في هذا المقال؛ سنحاول التطرق إلى مجموعة من إنجازات النساء العلمية على مر التاريخ.
في مصر القديمة، وجدت عالمات عظيمات عديدات، ويرجع ذلك إلى أن النساء كُنَّ يحظَيْنَ بقدر كبير من الاحترام والحرية لتلقي مستوى جيد من التعليم والعمل خارج المنزل. فكان يوجد أكثر من مائة طبيبة معروفة في تلك الحقبة، وكانت ميريت بتاح رائدة في ذلك المجال (نحو 2700 قبل الميلاد تقريبًا).
وكذلك كانت هيباتيا أحد أشهر العالمات في العالم القديم، وكانت تعيش في الإسكندرية في خلال العصر الهلينيستي. فهي لم تكن أول عالمة رياضيات فحسب، بل كانت أيضًا رئيسة المدرسة الأفلاطونية الحديثة للفلسفة في الإسكندرية، إلى جانب عملها في تدريس الفلك والتنجيم.
وكذلك في النصف الثاني من القرن العاشر، عاشت ستيتة المحاملي، وهي عالمة رياضيات أيضًا وأصبحت فيما بعد خبيرة في محاكم بغداد؛ حيث كانت تستخدم الوسائل الرياضية في تحليل مسائل الميراث الدقيقة والمشكلات التجارية وحلها. فقد كانت خبيرة في علم الحساب والحسابات الوراثية، وكلاهما من الفروع العملية في الرياضيات وتطورت تطورًا هائلًا في عصرها، كما توصلت إلى حلول لمعادلات قد وضعها علماء آخرون، فظهر دورها في علم الجبر.
وكذلك ساهمت النساء أيضًا في إنشاء الجامعات، ومن ثم ساهمن في تطور الحضارة. فكانت فاطيما الفيهري أحداهن؛ إذ جاءت من أسرة ثرية، واستخدمت أموالها الخاصة في بناء جامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب، عام 841م. وقد أصبحت جامعة القرويين مركزًا تعليميًّا مهمًا؛ وهي أقدم الجامعات المانحة للشهادات الأكاديمية بالعالم.
وفي القرن الثامن عشر، كان للثورة العلمية دورٌ في إرساء مبادئ العلوم الحديثة، كما ساهمت في ظهور تفكير وتحليل علمي جديد. وقد ساهمت نساء عديدات في ذلك المنهج العلمي الجديد، ومن بينهن عالمة الرياضيات والفيزياء والكاتبة الفرنسية إميلي دي شاتليه؛ إذ ترجمت كتاب نيوتن «مبادئ الرياضة» إلى اللغة الفرنسية مضيفةً تعليقها الخاص إليه الذي أسهم في تطور علم نيوتن بأوروبا.
وكذلك ماريا جايتانا أنيزي؛ عالمة رياضيات وفيلسوفة إيطالية تنتمي إلى نفس الحقبة، والتي تُعد أول امرأة في العالم الغربي تحقق مكانة هائلة في الرياضيات. ومن أهم أعمالها كتاب «المعاهد التحليلية لاستخدام الشباب الإيطالي» Instituzioni analitiche ad uso della gioventù italiana، والذي نُشر عام 1748، وقد أمدنا بمعالجة شاملة ومنظمة للجبر والتحليل؛ بما في ذلك التطورات الجديدة، مثل التفاضل والتكامل. وقد وصفت الأكاديمية الفرنسية للعلوم هذا الكتاب بأنها تعده من أفضل الأطروحات وأشملها. وكذلك انبهر البابا بينديكت الرابع عشر بالكتاب، فعيّن ماريا جايتانا أنيزي أستاذًا للرياضيات بجامعة بولونيا، في عام 1750.
وفي حين يراقب علماء الفلك السماوات محاولين اكتشاف أشياء جديدة وفهم ما سبق اكتشافه، قامت كارولين هيرشيل في عام 1783 باكتشاف ثلاثة سُدُم بواسطة التليسكوب، كما اكتشفت ثمانية مذنبات ما بين عامي 1786 و1797. فهي تعد أول امرأة تكرم في مجال الفلك؛ فهي ألمانية الأصل، وقد ذاع صيتها لإسهاماتها في تطوير الأبحاث الفلكية التي قام بها شقيقها، السير ويليام هيرشل؛ إذ طبقت حسابات فلكية عديدة مرتبطة بدراساته. ولم يُطلق اسمها على أي من المذنبات التي قامت باكتشافها، ولكنه أطلق على أحد الهوَّات القمرية.
وفي العصر الحديث، أصبحت الأمريكية سالي كريستن رايد أول رائدة فضاء تقوم بالدوران حول الأرض، وذلك في عام 1983، بعد قضاء وقت طويل في الاختبار والتدريب. وقد قضت نحو 343 ساعة في الفضاء، ثم تقاعدت من وكالة ناسا الفضائية لتوجه اهتماماتها إلى مشروعات أخرى تهدف إلى تشجيع النساء على دراسة العلوم والرياضيات؛ وقد بذلت جهدًا هائلًا في سبيل تحقيق ذلك الهدف. ومن إنجازاتها أيضًا مؤسسة سالي رايد للعلوم والتي أسستها لدعم الفتيات المهتمات بالعلوم والرياضيات والتكنولوجيا.
ومن أشهر النساء في العلم، والتي يتبادر اسمها فورًا إلى أذهاننا عند ذكر «النساء في العلم»، ماري كوري التي لقبت بأم الفيزياء الحديثة. فلقد اشتهرت بعملها الثوري في مجال الإشعاع، وكانت أول امرأة تحصل على شهادة الدكتوراه في البحث العلمي في أوروبا، وأول أستاذة بجامعة السوربون. ولقد حصلت ماري كوري على جائزة نوبل في الفيزياء في عام 1903 ثم جائزة نوبل في الكيمياء في عام 1911.
في الواقع، توجد نساء عديدات من الشرق والغرب كرسن حياتهن للعلم، وأشبعن نهمهن العلمي بأبحاثهن العلمية، كما قدمن اكتشافات عديدة ساهمت في تطور العلوم. وفي يومنا هذا، تقدمت التكنولوجيا والعلوم تقدمًا هائلًا، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، إلا أنه ما زالت توجد موضوعات علمية عديدة لم يتطرق لها أحد بعد. فدعونا نتبع خطوات هؤلاء العالمات، ونأخذ على عاتقنا مهمة استكمال إنجازاتهن العلمية حاملين شعلة الكفاح لنمهد الطريق للمزيد من الإنجازات.
المراجع
bibalex.org
britannica.com (1)
britannica.com (2)
fembio.org
lucidcafe.com
muslimheritage.com
roma.unisa.edu.au
sistersmagazine.com
suite101.com
wisemuslimwomen.org
women-scientists-in-history.com
womenshistory.about.com (1)
womenshistory.about.com (2)
womenshistory.about.com (3)
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد الفصل الدراسي الثاني 2010/2011.
Cover Image by Freepik