عالم النبات مليء بالأسرار التي يحاول الباحثون الكشف عنها بالبحث المستمر. ولا يأتي الاهتمام بدراسة النباتات فقط لأنها حلقة أساسية في السلاسل الغذائية التي تنقل الطاقة من كائن حي إلى آخر، ما يجعلها مصدرًا أساسيًّا لطعام الإنسان وسببًا لبقائه على قيد الحياة. فدراسة النباتات تمكننا أيضا من فهم الكائنات الحية الأخرى وتطورها عبر العصور، وتمكن العلماء من الكشف عن منافع جديدة للبشرية بالبحث والتجريب المستمر. النباتات كائنات حية معقدة متعددة الخلايا، ويُقال إنها تتمتع باستجابات حساسة للمحفزات والعوامل الخارجية تمامًا مثل الإنسان، فهل هذا صحيح؟ وهل يمكن أن تتأثر النباتات بصوت الموسيقى؟ وما رأي العلم في ذلك؟
عام 1962، أجرى الدكتور تي سي سينغ، رئيس قسم علم النبات في جامعة أناماليا بالهند، تجربة قام فيها بتعريض مجموعة من النباتات للموسيقى الكلاسيكية، ومقارنة معدل نموها بمجموعة أخرى. فوجد أن معدل نمو النباتات المعرضة للموسيقى فاق معدل نمو المجموعة الأخرى بنسبة 20%، وأن كتلتها زادت بنسبة 72%. بعدها، عرَّض المحاصيل إلى موسيقى الراجا الهندية عبر مكبرات الصوت، فوجد أن متوسط معدل إنتاجها زاد بنسبة تتراوح من 25% إلى 60%. وقد أجرى باحثوا جامعة أناماليا تجارب باستخدام آلات موسيقية مختلفة، واستنجوا أن استجابة النباتات لآلة الكمان هي الأقوى والأكثر فعالية في حين أن استجابتها لموسيقى الروك لم تكن إيجابية.
طُرحت الفكرة أيضًا عام 1973 في كتاب The Secret Life of Plants لعالمي النباتات كريستوفر بيرد وبيتر تومبكينز؛ حيث أشارا إلى أن الموسيقى لا تساعد على نمو النباتات فحسب، ولكنها قد ترفع أيضًا من استجاباتها ووعيها فى التعامل مع العوامل المحيطة.
Image by Freepik
وفي مجال الزراعة، أجرى فريق بحثي من جامعة تيانجين في الصين تجارب على نباتات عَدَسِيَّات الماء، وذلك من خلال تشغيل موسيقى هادئة لمدة خمس ساعات على مدار سبعة أيام متتالية. وفى نهاية التجربة، قارن الباحثون بين نمو مجموعة النباتات التي تعرضت للموسيقى والمجموعة التي لم تتعرض لها، واتضح آنذاك أن للموسيقى آثار إيجابية كبيرة وفورية على نمو النبات وزيادة إنتاجيتها.
فقد بينت التجارب أن اهتزازات الموجات الصوتية تؤثر في عملية التمثيل الضوئي وتزيد إنتاج الكلوروفيل. وهذا بدوره يحفز عملية انتقال المواد الغذائية والبروتينات خلال السيتوبلازم أو المواد الموجودة داخل الخلايا، في عملية تسمى بالتيار السيتوبلازمي، ما يعزز النمو ويقوي الجهاز المناعي. كما تؤثر الموسيقى أيضًا في عمل أكثر من 1296 جينًا في النباتات، منها الجينات التي تتحكم في عمليات البناء الضوئي والتنظيم الهرموني. وتساعد الموسيقى أيضًا على إنتاج هرمونات الأوكسين «Auxin» التي تؤدي دورًا أساسيًّا في تعزيز نمو النباتات.
نستنتج من ذلك أنه من شأن تطبيق العلاج بالموسيقى على النباتات أن يؤدى إلى نتائج إيجابية ومفيدة في مجالات عديدة مثل الكيمياء الحيوية والفسيولوجيا وعلم البيئة. ومع استمرار العلماء في البحث والتجريب، فربما قد تساهم الموسيقى يومًا ما في زيادة الإنتاج الغذائي وتساعد على القضاء على مشكلة الجوع في العالم.
المراجع
bloomscape.com
academia.edu
earth.com
pistilsnursery.com
Cover Image by Freepik