في يونية 2022، وقع الاختيار على مركز يوليش الألماني للحوسبة الفائقة (JSC) لاستضافة الحاسوب الفائق «جوبيتر» Jupiter، وهو أول حاسوب فائق في أوروبا قادر على إجراء كوينتليون (مليون تريليون) عملية حسابية في الثانية.
يعرف هذا النوع من الحواسيب الفائقة بـ«إكزاسكيل» Exascale. ولفهم مدى قدرتها، سنستعين بالمثال الذي ذكره جاك دونجارا –أستاذ علوم الحاسوب بجامعة تينيسي في الولايات المتحدة الأمريكية– على قوة أداء الحاسوب الفائق «فرونتير» Frontier، أول حواسيب إكزاسكيل الفائقة. يشرح دونجارا أنه إذا افترضنا أن كل شخص على هذا الكوكب سيجرى عملية حسابية تستغرق ثانية واحدة، فإن قدرة حاسوب إكزاسكيل الفائق على إجراء العمليات الحسابية في ثانية واحدة تساوي مجموع ما ينجزه البشر جميعًا لمدة أربع سنوات.
ويُعد الحاسوب الفائق «جوبيتر» من أهم الحواسيب الفائقة في العالم؛ فإذا قارنا قدرته الحاسوبية بأقوى حاسوب فائق في أوروبا، فسنجد أن «جوبيتر» يتفوق عليه بثلاثة أضعاف. كما أن قوة أداء هذا الحاسوب الفائق تكافئ عشرة ملايين جهاز حاسوب مكتبي حديث. ويتطلب تشغيل هذا الحاسوب الفائق مساحة تعادل أربعة ملاعب تنس، وأكثر من 260 كيلومترًا من الكابلات عالية الأداء.
تعاقد المشروع الأوروبي المشترك للحوسبة عالية الأداء (EuroHPC JU) على شراء «جوبيتر» من تحالف شركات بقيادة شركة «إيفدن» Eviden الفرنسية المتخصصة في الحوسبة المتقدمة وشركة «بارتيك» Partec الألمانية المتخصصة في الحوسبة الكمومية. وتبلغ تكلفة «جوبيتر» نحو 500 مليون يورو، يموِّل الاتحاد الأوروبي نصف هذا المبلغ، بينما النصف الآخر تموِّله وزارة التعليم والبحث العلمي الفيدرالية الألمانية ووزارة الثقافة والعلوم بولاية شمال الراين - وستفاليا.
تتمثل مهمة «جوبيتر» الرئيسية في مساعدة العلماء والباحثين في المجال الأكاديمي والصناعة على تحقيق الإنجازات العلمية الكبيرة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتطوير العقاقير والمواد، ودراسات المناخ. وسيتم ذلك من خلال توفير بنية تحتية تقنية تساعد الباحثين على إجراء عمليات محاكاة ديناميكية للجزيئات من أجل تطوير الأدوية والمواد، وتدريب النماذج اللغوية والشبكات العصبية الاصطناعية من أجل التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، وإجراء عمليات محاكاة حاسوبية عالية الدقة من أجل دراسات المناخ، بالإضافة إلى إمكانية استخدامه في تطبيقات أخرى في المجالات الطبية والحوسبة الكمومية والعلوم الكونية ومجالات الطاقة.
سيبدأ تشغيل الحاسوب الفائق «جوبيتر» خلال الشهور الأخيرة لعام 2024، حاملًا بشرى لتحقيق مزيدًا من الإنجازات العلمية الكبيرة والمساهمة في النمو الاقتصادي وفي وضع حلول للمشكلات الملحة. وتُمثل قصة إنشاء هذا الحاسوب الفائق نموذجًا يحتذى به لتضافر الجهود الدولية لتحقيق التقدم في الصناعة والبحث العلمي، ونأمل أن تكرر مزيدًا من الحكومات والمؤسسات الدولية مثل هذه المشروعات العلمية الطموحة التي تتطلب ميزانيات ضخمة ولكنها لا شك تأتي بمنافع جمة على البشرية كلها.
المراجع
eviden.com
Innovationnewsnetwork.com
Cover image: © New Scientist