من الحقائق الشائعة عالميًّا أن اللسان هو المستقبل الأساسي للمذاق. فمن خلال براعم التذوق الموجودة على اللسان، يستطيع تمييز المذاقات المختلفة سواءً كانت حلوة أو لاذعة أو مالحة أو مُرَّة. ولكن بمجرد النظر إلى الأشياء الموجودة حولك في المكتب أو الفصل الدراسي من أدراج خشبية أو أدوات بلاستيكية أو مقابض معدنية، فستجد أن مذاقها مألوفًا بالنسبة إلى عقلك، وستتمكن من تعرُّف تلك المذاقات دون استخدام لسانك. وهكذا، ستدرك أنك قادر بالفعل على تذوق الأشياء المحيطة بك؛ ليصبح حينها المثل الإنجليزي القائل «يبدو شهيًّا لدرجة أنني أشعر بمذاقه» وكأنه حقيقة علمية.
عندما تطلب حلواك المفضلة، ثم ترى كم تبدو شهية طبقة الكيك المغطاة بالشوكولاتة الغنية وإلى جانبها بولة الآيس كريم، فإن دماغك يصبح قادرًا على تعرُّف مذاقها بمجرد رؤيتها بدون حتى أن تتذوقها. وهكذا، لا يكون المذاق مفاجئًا عندما تبدأ في تناولها. مهدت هذه الفكرة مسار العلماء خلال العقد الأخير نحو معرفة كيفية انتقال المذاق من مرحلة التعرُّف إلى الإدراك؛ فكيف يتعامل الدماغ مع الخبرات المعتمدة على عدة حواس التي نعيشها يوميًّا؟ وكيف يربط الدماغ بين رؤية الشيء ومعرفة مذاقه دون استخدام اللسان؟
رسم توضيحي للقشرة الدماغية ومستقبلات التذوق
(المصدر: Neuroscientifically Challenged)
وفقًا لاعتقادنا السابق، فإن البراعم الموجودة على اللسان ترسل المعلومات الخاصة بالمذاق إلى جزء في الدماغ يُعرف بالمِهاد. وبعدها تنتقل تلك المعلومات إلى جزء في الدماغ يُعرف بالقشرة الذوقية، وهو يتوسط الجزيرة اللحائية الأمامية والوصاد الجبهي. ولكن البحوث والتجارب العلمية استنتجت غير ذلك. فوجدت أحدث الدراسات أن القشرة الذوقية تعتمد على حواس متعددة؛ فهي تستقبل المذاق وتربط بينه وبين ما تستقبله من الحواس الأخرى مثل الرائحة والحرارة والملمس. أي أنها تستقبل معلومات من جميع الأعضاء المدركة الحواس، وليس اللسان فقط، وبذلك فهي قادرة على تعرُّف مختلف المذاقات وربطها بالأشياء.
أجرى علماء الأعصاب في المعهد القومي للصحة التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية تجارب على الفئران، أفادت بأنه من الممكن إدراك المذاق دون استخدام اللسان. إذ قاموا بتحفيز القشرة الذوقية لإدارك المذاق المر لدى الفئران. وبينما لم يكن هناك أي شيء على ألسنة الفئران، فقد لاحظ الفريق أنها تعبس وكأنها تتذوق شيئًا مرًّا.
إن الدماغ أشد أعضاء أجسامنا تعقيدًا، ولم يتمكن العلماء بعد من فهم قدراته وطريقة عمله بشكل كامل. وفي حين أن التجربة التي سردناها نجحت في خداع أدمغة الفئران، فربما نتمكن نحن البشر في المستقبل من خداع أدمغتنا من خلال تحفيز مستقبلات الحلوى، مما قد يساعدنا على إشباع رغباتنا الشديدة في أكلها، بينما نقوم في واقع الأمر بتقليل كمية السكر التي نتناولها.
المراجع
Peng, Y., Gillis-Smith, S., Jin, H. et al. Sweet and bitter taste in the brain of awake behaving animals. Nature 527, 512–515 (2015). https://doi.org/10.1038/nature15763
Stony Brook University. (2016, August 31). Brain perceives taste with all senses, scientific evidence reveals. ScienceDaily. Retrieved December 31, 2023 from www.sciencedaily.com/releases/2016/08/160831133706.htm
Banner image by Freepik.