يفضل كثيرون الكتابة بواسطة الأجهزة الإلكترونية ولوحة المفاتيح، خاصة في الفصول الدراسية ومكاتب العمل. ولا ينكر أحد مميزات الكتابة بواسطة هذه الأجهزة؛ فهي سريعة ومتوافرة وسهلة وعملية، كما تقدم طرقًا للتصحيح التلقائي خلال الكتابة. وكذلك تعد وسيلة كتابة أقل تطلبًا وإحباطًا للأطفال الصغار، إذ تساعدهم على التعبير عن أنفسهم بالكتابة في وقت مبكر من العمر؛ مما جعلها تحل محل الورقة والقلم تدريجيًّا. فأصبح تدوين الملاحظات يدويًّا غير شائع. ولذلك رأى بعض العلماء ضرورة دراسة آثار هذا الاستبدال المترتبة على الدماغ البشري.
هل الكتابة باليد أفضل لأدمغتنا؟
الإجابة المختصرة، نعم. وهذا ما اكتشفه العلماء في دراسة نشرت بدورية Frontiers in Psychology، إذ وجد الباحثون أن الكتابة باليد تعزز الاتصال بين مناطق الدماغ المختلفة، الذي بدوره يساعد على بناء الذاكرة وترميز المعلومات، ومن ثم، زيادة القدرة على التعلم. ومع زيادة هذا الاتصال تتحسن دقة التهجئة، وتزداد القدرة على استدعاء المعلومات.
ومع أن الكتابة التقليدية أكثر بطئًا؛ إلا أن العلماء يعتقدون أن هذا البطء في تتبع الحروف والكلمات الذي تتسم به الكتابة باليد مقارنة بالكتابة بواسطة لوحة المفاتيح، يمنح الأفراد مزيدًا من الوقت للتعلم ومعالجة المعلومات.
القلم يفوز!
Source: pxhere.com
لتأكيد هذا الاعتقاد، واستنتاج كيفية حدوثه، عرض الباحثون كلمات على 36 طالبًا جامعيًّا، وطلبوا من بعضهم كتابة هذه الكلمات باستخدام قلم رقمي على شاشة تعمل باللمس، والآخرين الكتابة بواسطة لوحة مفاتيح؛ وخلال ذلك، سجل الباحثون النشاط الكهربائي الدماغي لدى هؤلاء الطلاب. وأسفرت النتائج عن زيادة ملحوظة في هذا النشاط لدى الطلاب الذين استخدموا القلم في الكتابة، مقارنة بمن كتبوا بواسطة لوحة المفاتيح.
وتؤكد هذه النتائج مقدار المشاركة الحسية المتزايدة عند حركة الأصابع لتشكيل الحروف؛ مما يعزز الاتصال بين مناطق الدماغ. وهو يعني أن عند استخدام الكتابة باليد على نحو أكبر بوصفها استراتيجية للتعلم، تنشط مناطق أكثر في الدماغ؛ مما يؤدي بدوره إلى تكوين شبكة عصبية متصلة أكثر تعقيدًا. وتشترك فيها كل من الرؤية، والأوامر الحركية الصادرة من الدماغ، والحركات الدقيقة لليد والأصابع؛ وهو ما تفتقر إليه الكتابة بواسطة لوحة المفاتيح.
السرعة في مقابل الوعي
Source: hippopx.com
يفسر الباحثون هذه العلاقة بين الكتابة باليد وزيادة الاتصال بين مناطق الدماغ المختلفة إلى أن هذه الطريقة في الكتابة تتطلب تحكمًا دقيقًا في الأصابع، وتجبر الطلاب على الانتباه لما يكتبونه. في حين أن عند الكتابة الميكانيكية والضغط المتكرر على لوحة المفاتيح تزداد سرعة الكتابة على حساب الوعي بما يكتبونه. وقد استخدم الباحثون في الدراسة الأقلام الرقمية في الكتابة، ولكنهم يرون أنه يمكن توقع التأثير ذاته عند استخدام القلم التقليدي على الورق.
الكتابة التقليدية ضرورة في العصر الرقمي
Source: pickpik.com
يشير الباحثون في الدراسة إلى أهمية إتاحة الفرص لاستخدام الأقلام في الفصول، ويحثون على أهمية تعرض الأطفال منذ سن مبكرة لأنشطة الكتابة اليدوية في المدارس؛ لتكوين أنماط الاتصال العصبية، التي بدورها تحسن من عملية التعلم. وبشكل عام، ينبغي دمج الكتابة التقليدية في عصرنا الرقمي بحيث تتمتع الأجيال الشابة بمهارات الكتابة الأساسية، سواء في الحياة العملية، أو للتعبير عن أنفسهم. وذلك مع مواكبة التقدم التكنولوجي، والاطلاع على أساليب التكنولوجيا المتطورة في الكتابة.
وينصح الباحثون المعلمين والطلاب عند الاختيار بين الكتابة التقليدية والكتابة بواسطة لوحة المفاتيح بأن يتم ذلك وفقًا للمهمة المطلوبة، ووفق السياق الذي يضمن أفضل تأثير تعليمي، كأن يكتب الطالب ملاحظاته الجانبية لتحسين استيعاب المعلومات واستدعائها، في حين قد تكون الكتابة بواسطة لوحة المفاتيح أكثر ملاءمة لمهام مثل كتابة المقالات.
المراجع
frontiersin.org
psycnet.apa.org
journals.sagepub.com
sciencenews.org
Image by Dragana_Gordic on Freepik