هل تساءلت ذات ليلة وأنت تنظر إلى السماء لماذا يسودها الظلام أكثر من أي شيء آخر؟ قد تظن لوهلة أن الكون أغلبه فارغ؛ ولكن هل الفضاء فارغ فعلًا؟ أم أن ثمة شيء يختبئ خلف ذلك المشهد الخاوي؟
في 1933، كان عالم الفلك السويسري فريتز زفيكي يرصد عنقود كوما المجري، وهو عنقود مجري كبير يضم أكثر من 1000 مجرة. انتبه زفيكي إلى وجود تضارب كبير بين النطرية والتطبيق؛ إذ وجد أن كتلة العنقود المجري المحسوبة بناءً على سرعة مجراته أكثر عشرة أضعاف تقريبًا من كتلته المحسوبة بناءً على كمية الضوء الإجمالية المنبعثة منه. استنتج زفيكي الذي كان يُعدُّ عالمًا فذًّا سابقًا لعصره أن عنقود كوما المجري يحتوي حتمًا موادَ غير مرئية؛ ومن هنا نشأ مصطلح «المادة المظلمة».
في سبعينيات القرن العشرين بعد وفاة زفيكي، بدأ علماء فلك آخرين في أخذ فرضيته على محمل الجد وأكدوا وجود المادة المظلمة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المادة المظلمة من الموضوعات الرئيسية التي يُعنى لها علماء الفلك والكونيات والفيزياء والفيزياء الجسيمية، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من علم الكونيات.
وفي السنوات القليلة الماضية، تواتر ظهور المادة المظلمة في عنواين الأخبار العلمية حول العالم مع إطلاق مزيد من الدول لمشروعات جديدة معنية بدراستها وكذلك إعلان مزيد من المجموعات البحثية عن إحرازها تقدم في أبحاثها واكتشافاتها في هذا الصدد. على سبيل المثال، في أغسطس 2022، أعلنت أستراليا إطلاق معمل Stawell Underground Physics Laboratory (SUPL) «مختبر ستاويل للفيزياء تحت الأرض». إلا أن الصين أعلنت عن بدأ تشغيل مختبر تحت أرضي للفيزياء على عمق 2400 متر جنوب غرب مقاطعة سيتشوان الصينية في نوفمبر 2023، ليصبح بذلك أعمق المختبرات المخصصة لدراسة المادة المظلمة المنشأة تحت الأرض وأكبرها.
بسعة إجمالية تبلغ 330.000 متر مكعب، يُعدُّ مركز تجارب الفيزياء الحدودية العميق تحت الأرض والإشعاع المنخفض للغاية (DURF) المرحلة الثانية من China Jinping Underground Laboratory «مختبر جينبينغ الوطني الصيني تحت الأرض». بدأ إنشاء المركز عام 2020 بالتعاون مع جامعة تسينغهوا –التي تُعدُّ من أفضل الجامعات الصينية– وشركة Yalong River Hydropower Development «يالونغ ريفر هايدروباور للتنمية».
وبوصفه مشروعًا قوميًّا رئيسيًّا، يُرجى من المركز أن يصبح منصة عالمية تدمج بين تخصصات متعددة، بما في ذلك الفيزياء الجسيمية، والفيزياء الفلكية النووية، وعلوم الحياة. كذلك يهدف إلى رصد جسيمات المادة المظلمة ودراستها؛ والتي استحال رصدها بشكل مباشر حتى الآن رغم افتراض أنها تمثِّل جزءًا كبيرًا من كتلة الكون.
يبدو إذًا أن «المادة المظلمة» ستتصدر عناوين مزيد من الأخبار في 2024. ستساهم نتائج هذه المشاريع البحثية الضخمة التي تهدف إلى استكشاف خصائص المادة المظلمة في فهمنا للفيزياء الأساسية، وبالتالي لا شك في أنها ستمنح البشرية رؤية أفضل لبنية الكون وتطوره.
المراجع
amnh.org
en.wikipedia.org/Fritz_Zwicky
en.wikipedia.org/Coma_Cluster
nature.com
popularmechanics.com
space.com
Banner image.