القوة المتفجرة للسلام

شارك

كل عام، ننتظر بفارغ الصبر الإعلان عن أفضل جائزة في العالم: وهي جائزة نوبل؛ تلك الجائزة التي تمنحنا شعورًا عميقًا بالفخر والتأثر بالفائزين الذين «يقدمون فائدة عظيمة للبشرية»، والذين يبذلون قصارى جهدهم في مساعدة الناس حول العالم على النمو والازدهار. ومع ذلك، فهذه ليست سوى النهاية السعيدة للقصة، والتي بدأت بشكل مختلف تمامًا، ولم يكن مقدرًا لها أن تطور بهذه الطريقة.

تأسست جائزة نوبل في عام 1895، وتُمنح في مجالات الفيزياء، والكيمياء، والطب، والأدب، والسلام. إلا أنه كما هو الحال مع أي إنجاز أو اكتشاف أو ابتكار مرموق، ولدت هذه الجائزة من خلال قصة درامية للغاية تسلط الضوء على كيف يمكن أن ينبثق الخير والسلام من الدمار والخراب.

وفقًا للوصية الأخيرة لمؤسسها ألفريد نوبل، تُمنح جائزة نوبل للسلام إلى «الشخص الذي قدم أكبر أو أفضل عمل يساعد على وحدة الأمم، وإلغاء أو تقليل الجيوش الدائمة، وكذلك لعقد مؤتمرات السلام والترويج لها. وعندما تذكر الجائزة، فلا مفر من تذكر القصة الأصلية لجائزة نوبل، والتي تشكلت من خلال نقطتي تحول رئيسيتين أثرتا بعمق في ألفريد نوبل، وغيرتا مسار تاريخه على نطاق أوسع.

بداية سلمية

ولد ألفريد برنارد نوبل في عام 1833 في ستوكهولم بالسويد، وتألق تحت الوصاية الروسية الصارمة؛ فأتقن عدة لغات، بالإضافة إلى تفوقه في الكيمياء، والفيزياء، والشعر، والعلوم الطبيعية. وبعد ذلك، أرسله والده إلى باريس لمواصلة تدريبه في الكيمياء والهندسة.

أثناء دراسته في باريس، التقى نوبل بالكيميائي الإيطالي أسكانيو سوبريرو، الذي اخترع النيتروجليسرين في عام 1847؛ تلك المادة الزيتية السائلة المتفجرة الناتجة عن خلط الجليسرين وحمض النيتريك وحمض الكبريتيك. ونظرًا لخطورة تلك المادة التي لا يمكن التنبؤ بماذا يمكن أن تفعله، والتي تصبح متفجرة عند تعرضها للحرارة أو الضغط، فقد عارض بشدة استخدام النيتروجليسرين. من ناحية أخرى، أصبح نوبل الشاب مهتمًّا بإيجاد طريقة للسيطرة على النيتروجليسرين واستخدامه متفجرات تجارية لتمتعه بقوة أكبر كثيرًا من قوة البارود. وفي وقت لاحق، حصل نوبل على براءة اختراعه السويدية الأولى لإيجاده طرقًا لإعداد المادة في عام 1863.

في الأعوام التالية، كرس نوبل نفسه لدراسة المتفجرات، وخاصة التصنيع والاستخدام الآمن للنيتروجليسرين؛ ففي عام 1863، اخترع جهاز تفجير، وفي عام 1865، صمم غطاءً للتفجير.

Image Credits: nobelprize.org

ضريبة السلام

حدثت نقطة التحول الأولى عندما كان نوبل البالغ من العمر 29 عامًا يعمل جاهدًا مع عائلته لإيجاد إمكانات لتوظيف النيتروجليسرين في الاستخدامات التجارية والصناعية، على الرغم من أنه كان يُعد غير آمن تمامًا للاستخدام العملي. فأثناء إجراء التجارب، حدث انفجار ضخم في مصنع العائلة السويدي أودى بحياة خمسة أشخاص، بمن فيهم شقيق نوبل الأصغر إميل. وتأثر نوبل بشكل كبير بهذه الحادثة، لذلك شرع يطور متفجرات أكثر أمانًا، في محاولة منه لجعل النيتروجليسرين آمنًا؛ ولكن، لم يكن الأمر بهذه السهولة. فخلال التجارب الأولى التالية، بما في ذلك صنع «زيت متفجر»، حدثت عدة انفجارات مميتة، أودى أحدها بحياة 15 شخصًا عندما انفجر في مخزن في سان فرانسيسكو.

أخيرًا، في عام 1867، حصل نوبل على براءة اختراع لمزيج من النيتروجليسرين ومادة ماصة، والذي نتج عنه مركب يمكن تشكيله على شكل عصا قصيرة قد تستخدمها شركات التعدين لتفجير الصخور. حصل نوبل على براءة اختراع لما أسماه «الديناميت»، وهي كلمة مشتقة من اللغة اليونانية تعني القوة. وهي مادة أسهل وأكثر أمانًا في التعامل معها عن النيتروجليسرين غير المستقر. سُجلت براءة اختراع الديناميت في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، واستُخدم على نطاق واسع في التعدين وبناء شبكات النقل على الصعيد الدولي؛ فأصبح بإمكان شركات السكك الحديدية أن تتوسع بأمان عبر الجبال، حيث تفتح مساحات واسعة من سطح الأرض للاستكشاف والتجارة. نتيجة لذلك، أصبح نوبل ثريًّا بشكل خيالي.

«لا يوجد شيء في عالمنا لا يمكن إساءة استخدامه» – ألفريد نوبل

لسوء الحظ، استخدم هذا الابتكار السلمي في سياق مميت بعد ذلك؛ إذ بدأت السلطات العسكرية في استخدام الديناميت في الحرب، بما في ذلك مدافع الديناميت التي استخدمت خلال الحرب الإسبانية الأمريكية، فأصبحت ضريبة هذا الاختراع باهظة جدًّا في هذه المرحلة.

خطأ مغير للحياة

كانت نقطة التحول الثانية هي الحادثة التي دفعت نوبل إلى إعادة النظر في كل ما حققه خلال حياته، بما في ذلك جميع اختراعاته و355 براءة اختراع مختلفة باسمه. ففي عام 1888، عندما توفي شقيقه لودفيج، أثر فيه بشكل كبير خطأ صحفي؛ إذ قرأ نعيه هو شخصيًّا، والذي طُبع على نطاق واسع بدلًا من نعي أخيه. فوجد أنه احتقر لكونه الرجل الذي كسب الملايين من وراء موت الآخرين. فقد كتبت صحيفة فرنسية Le marchand de la mort est mort ! وتعني باللغة العربية «تاجر الموت مات!». وصف النعي نوبل بأنه الرجل «الذي أصبح ثريًّا من خلال إيجاد طرق لقتل كثير من الناس بشكل أسرع من أي وقت مضى».

وكما ذكرت التقارير، فوجئ نوبل بما قرأ وكيف يمكن أن يتذكره الناس بعد أن يموت بالفعل؛ لذلك، صمم على تحسين إرثه. قبل عام واحد من وفاته، وقَّع نوبل على وصيته الأخيرة؛ حيث خصص أغلب ممتلكاته الشاسعة لتأسيس جوائز نوبل الخمسة، والتي تتضمن جائزة للسعي من أجل السلام.

هذه القصة لا تعطينا نبذة عن إحدى الجوائز المرموقة في العالم فقط، بل تسلط الضوء أيضًا على إمكان انتزاع الخير من الشر، وإعادة كل ما هو صحيح إلى مساره مجددًا، حتى بعد المحاولات لتحويله عن مساره الأساسي.

المراجع

biography.com

en.wikipedia.org

livescience.comlivescience.com

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية