أساطير الشوكولاتة: الفنجان اليومي وخطر الانقراض

شارك

تخيل الذهاب إلى المقهى وطلب مشروبك المفضل، فيجيبك النادل «عذرًا، هذا المشروب لم يعد متوافرًا». أليس كابوسًا أن تدرك أن فنجان سعادتك بات منقرضًا؟ لكل منا مشروب مفضل ذو نكهة مميزة، وهذه المشروبات مصدرها نباتات لها قصص كثيرة لترويها. في السنوات الأخيرة، أنشأ تغير المناخ الناجم عن الاحترار العالمي عاصفة عارمة تهدد وجود هذه النباتات، وقد حان الوقت لنسأل أنفسنا: هل يمكننا تقبل المستقبل دون فنجان الشوكولاتة؟

حبة الكاكاو

يرجع تاريخ هذه الأسطورة إلى أكثر من خمسة آلاف عام، عندما اعتقد القدماء أن المال ينمو بالفعل على غصون الأشجار! كانت شعوب «التولتيكاس» المرتبطة بحضارة الأزتيك، تعمل بجد للعثور على الطعام، ولكنهم لم يعرفوا كيفية زراعته صحيحًا، ولذلك ظلوا فقراء وجوعى. فتعاطفت الآلهة معهم، ونزلت إلى الأرض لتعلمهم الحصاد والطعام، فأصبحوا مزارعين ماهرين.

أراد أحد هذه الآلهة ويدعى «كيتزالكواتل» أن يمنح «التولتيكاس» هدية؛ فأهدى إليهم شجرة مميزة ذات أوراق صغيرة تنمو من أغصانها، وكانت الآلهة قد اكتشفتها في الجبال. وعندما أثمرت الشجرة، علمَّ «كيتزالكواتل» شعب «التولتيكاس» كيفية جمع قرونها وسحق بذورها، وقد استمتعوا بذلك لسنوات عديدة. ونظرًا لمكانة هذه الحبوب الثمينة عندهم، فقد كانت تُعد مشروبًا يتناوله النبلاء، كما استخدمت عملةً. انتشر هذا المشروب المميز في البلدان المجاورة بوصفات تحضير مختلفة، وأصبحت شجرة الكاكاو مصدرًا لمسحوق الكاكاو ومحبوبتنا «الشوكولاتة».

إن منشأ نبات الكاكاو غابات الأمازون المطيرة، وقد نما منذ آلاف السنين في المناطق الاستوائية وانتشر شمالًا. ومع ذلك، فهو لم ينمُ في الجبال قط! يُنظر إلى الكاكاو بمنتجاته المتنوعة غالبًا على أنه من أعظم هدايا الحضارات القديمة للعالم. واستهلك البشر الكاكاو مشروبًا في معظم تاريخه، ثم ظهر مصطلح «الشوكولاتة»، وهو جديد نسبيًّا، عندما أسهمت التكنولوجيا في منتصف القرن التاسع عشر في إنتاج الكاكاو في صورته الصلبة.

لنعد مجددًا إلى النبات، تزدهر أشجار الكاكاو في الغابات المطيرة. وتستغرق هذه الأشجار نحو خمس سنوات لتنتج ثمارها. والثمرة عبارة عن فاكهة تشبه الخيار، يقطعها العمال بعد نُضجها، ويزيلون عنها البذور ثم تُجفف. ويمكن أن تزدهر الأشجار تحت ظروف معينة، تشمل توافر تربة غنية بالنيتروجين، والرطوبة العالية، والأمطار الغزيرة، ودرجات الحرارة المتماثلة، والحماية من الرياح. وتنمو أشجار الكاكاو في مناطق تبعد 10–20 درجة شمالًا وجنوبًا عن خط الاستواء. وتُعد كوت ديفوار وغانا منتجتي الكاكاو الرئيسيتين، إذ تنتجان أكثر من 50٪ من إنتاج الكاكاو العالمي. وفي كلا البلدين، أدى الكاكاو دورًا رئيسيًّا في الحفاظ على غاباتهما والتنوع الحيوي بهما.

في العقود القادمة، ستصبح هذه الأماكن أقل ملاءمة لزراعة الكاكاو؛ لأنها ستزداد دفئًا وجفافًا. فقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن تغير المناخ التدريجي سيؤثر في نباتات الكاكاو. ومثل نبات البن، لنبات الكاكاو أهمية ضخمة لسبل عيش أصحاب الحيازات الصغيرة وللنظم البيئية ببلدان عديدة، كما تتنوع المخاطر التي تهدده. ولعدم وجود بدائل أخرى للكاكاو، لن يتأثر النبات بارتفاع درجات الحرارة فحسب مثلما تتأثر نباتات البن. ويكمن الخطر في زيادة التبخر والنتح؛ فبينما تضغط درجات الحرارة المرتفعة المياه خارج التربة والنباتات، يصبح من غير المحتمل زيادة الأمطار أو تعويضها فقدان الرطوبة.

إن توقع مستقبل زراعة الكاكاو ليس أمرًا سهلًا، ولكن إذا استمررنا كما كان الحال من قبل، فسنشهد نهاية حلوانا المفضلة قريبًا. وفي تقرير عن تغير المناخ، توقع فريق من الباحثين أنه بحلول عام 2050، سيدفع ارتفاع درجات الحرارة إلى زراعتها بالمرتفعات. فغالبًا ما تكون المناطق التي تشهد ظروفًا زراعية محسنة هي التضاريس الجبلية، وهو ما يطرح سؤالًا آخر: أي الأمرين أكثر أهمية: تلبية المطالب العالمية؟ أم الحفاظ على الموائل الطبيعية؟ ولهذا السبب ظهرت حلول أخرى على طاولة الحوار.

فمن بعض استراتيجيات التكيف تزويد مزارعي الكاكاو ببذور مقاومة للجفاف، ووجوب مراقبة نهج الزراعة. ويُعد نظام الزراعة الحرجية المسمى «الكابروكا» بالبرازيل مثالًا على نهج ناجح، فعلى سبيل المثال، يوفر للأشجار الظل ويساعد على تقليل درجة الحرارة والتبخر والنتح.

هذا كل شيء عن مزارعي الكاكاو الذين بإمكانهم التخطيط للمستقبل ومواصلة إنتاج مصدر حلوانا المفضلة، ولكن ماذا عنك؟ وكيف سيكون حالك دون هذه الأشجار الثمينة؟ حسنًا سأخبرك، ستبقى كما كنت كسولًا تنتظر شيئًا لن يأتي أبدًا. إن الخيارات التي نتخذها كل يوم تؤثر في حياتنا، وإن لم نر هذا التأثير في الحال. وفي بعض الأحيان نحسب أشياء كثيرة أمورًا مسلمًا بها دون أن نتأمل الأنواع المختلفة حولنا في عالمنا. فهذه الأنواع تواجه مثلنا أيضًا تهديدات تغير المناخ وتدميرَ موائلها؛ رغم أننا المسئول الرئيسي عن هذا. ولذلك تُعد التوعية والتثقيف عنصرين مهمين في مواجهة مثل هذه الأخطار. فيجب علينا أن نتعلم كيفية المساعدة على الحفاظ على هذه الأنواع التي اعتمدنا عليها لعقود وحمايتها، وذلك قبل أن تختفي في غضون عقود قليلة.

المراجع

ambius.com

britannica.com

climate.gov

delishably.com

doi.org

dw.com

espresso-international.com

iadb.org

kids.britannica.com

mashed.com

noharmdone.co

science.org

Cover Image by freepic.diller on Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2025 | مكتبة الإسكندرية