في صباح كلِّ أربعاء يستيقظ السيد جونثر – وهو رجل بسيط يعيش في أطراف مدينة برلين – ليرتدي أفضل ما يمتلك من ملابس، ثم يخرج حاملًا سلة كبيرة متجهًا إلى منطقة التجمع المركزي الأسبوعي للمشاركة الغذائية في منطقته. بعد التجمع يعود السيد جونثر إلى منزله مبتسمًا حاملًا سلته الممتلئة بالأغذية الطازجة واللذيذة التي تكفيه أسبوعًا حتى موعد التجمع التالي، وكل ذلك مجاني. لقد كان لي شرف لقاء السيد جونثر أثناء إقامتي القصيرة في برلين؛ ولأنني عشت عمري كله في مصر، فقد تأثرت كثيرًا بنظام المشاركة الغذائية الألماني عالي التنظيم. على متن القطار، شرح لي السيد جونثر كيفية عمل ذلك النظام.
يدير برنامج المشاركة الغذائية مجلس من المديرين وموظفي الحكومة المتطوعين؛ حيث يشمل ذلك المجلس مجموعة منتقاة بعناية من ممثلي أفراد المجتمع، والطلبة، وعاملي الخدمة الاجتماعية، وأعضاء الأحزاب السياسية، والناشطين الاجتماعيين. فتعتمد الفكرة على مجموعة من الأحكام الصارمة التي تفرضها هيئة التحكم الصحي الألمانية على جميع المحلات والأسواق، شاملة مجموعة من أنواع الأغذية التي يجب أن تباع في نفس يوم الإنتاج. على سبيل المثال، إذا كان لديك مخبز في برلين، يجب عليك أن تخبز فقط ما يكفي للبيع في نفس اليوم؛ فإذا تبقى خبز في نهاية اليوم عليك أن تعطيه لبرامج المشاركة الغذائية.
يتم توزيع ممثلي برامج المشاركة الغذائية في جميع أنحاء المدينة حسب خريطة "التحصيل والتوصيل"؛ حيث يُعنى كلُّ عضو بعدد من المحلات والأسواق التي يزورها في نهاية كلِّ يوم عمل لجمع فائضها من السلع غير المبيعة. وللبرنامج عدد من المكاتب المركزية في الأحياء الرئيسية في المدينة؛ حيث يقيم كلُّ مكتب تجمعًا أسبوعيًّا لتوزيع الأغذية التي تم جمعها. فيتم توجيه جميع الأغذية المجمعة من جميع أنحاء المدينة في ليلة ما إلى المكتب الذي يقيم تجمعًا في الصباح التالي؛ حتى يتم عرض جميع الأغذية طازجة على المستهلكين.
ولكن، من له الحق في الحصول على تلك الأغذية في تلك التجمعات؟ هناك قائمة معايير يجب استيفاؤها؛ حتى يتسنى للشخص أن يستفيد من ذلك البرنامج. من بين تلك المعايير أن يكون الشخص عاطلاً، وغير قابل للعمل، ولديه عجز مادي حقيقي. الأهم من ذلك، يجب أن يكون للشخص عنوان مسجل في نفس المنطقة التي يرتاد على تجمعها. هكذا فإن الأشخاص المشردين غير مؤهلين للبرنامج.
أما في مصر، فهناك برامج مثل بنك الطعام المصري، التي تقوم بشكل كبير على التبرعات من الأثرياء والدعم من المنظمات غير الحكومية. فعلى الرغم من بساطة فكرة برنامج المشاركة الغذائية الألماني، فإن تطبيق ذلك النموذج في مصر سيكون تحديًا كبيرًا. على سبيل المثال، سيكون من الصعب تطبيق حكم "البيع في نفس اليوم" على الأسواق التي تعرض فيها السلع على مر الأسبوع وأكثر. فسيتطلب النموذج دعمًا مستمرًّا من الحكومة في صورة مسئولين يقومون بالعمل في البرنامج. وأخيرًا، يجب سن الأحكام والقوانين لدمج مثل ذلك النشاط الاجتماعي في الهيكل الاجتماعي الاقتصادي لمجتمعنا.
المراجع
thinkeatsave.org