المقالات

الطب النفسي العربي في العصور الوسطى وأثره في الإنسانية

شارك

عرف الإنسان الاضطرابات النفسية منذ القدم؛ فكان يُعتقد قديمًا أنها تحدث جرَّاء قوى خارقة للطبيعة، والأرواح الشريرة، والسحر. وبالتالي استند علاجها على استخدام الرقي، والتمائم، والتعاويذ طبقًا للمعتقدات الروحية والإجتماعية آنذاك.

ففي الحضارة اليونانية، كان يُعتقد أن الشفاء من الأمراض النفسية يستلزم نوم المريض في هيكل خاص؛ حيث يتم شفاؤه بمعجزة تحل بجسده في الليل. من ثم بدأت الدراسة العلمية لهذه الاضطرابات المبنية على المهارة الإكلينيكية والخبرة التجريبية على يد أبقراط، ومن بعده جالينيوس اللذان اعتبرا أن الأمراض النفسية لا تنشأ عن الأرواح الشريرة كما كان يعتقد غالبية الناس حينذاك.

إسهامات الأطباء العرب في مجال الأمراض النفسية والعقلية

يُعتبر الطب النفسي من إحدى المجالات التي تطورت تطورًا كبيرًا على يد العرب في العصور الوسطى (بين القرنين السابع والسادس عشر الميلادي). فقد أدرك الأطباء العرب في العصور الوسطى أهمية الحالة النفسية للإنسان وأثرها على وظائف أجهزة جسمه المختلفة؛ فمثلًا حالات الانقباض، والفرح، والهم، والغم، والخجل تؤثر تأثيرًا مباشرًا في سلوك الإنسان ووظائف جسمه، وقد تؤدي به إلى الجنون وفقدان العقل.

هنالك عديد من الأطباء الذين تصدوا لعلاج تلك الأمراض، ووضع كثير منهم نظرياتهم وآراءهم في مئات الكتب التي لم يصلنا منها سوى قليل للأسف، كما يوجد عديد من الأدلة التاريخية على ريادة الطب العربي في هذا المجال. فقد خصص العرب أقسامًا خاصة لمعالجة أصحاب الأمراض النفسية والعقلية في كل بيمارستان - كلمة فارسية معناها مستشفى - مثل بغداد، ودمشق، والقاهرة، وقرطبة؛ حيث يتلقى فيه المريض معاملة كريمة تليق به كإنسان، وعناية طبية خاصة على يد أمهر وأفضل الأطباء في العلاج النفسي. وقد استطاع أبو بكر الرازي علاج بعض الأمراض التي اعتبرها سابقوه مستحيلة الشفاء؛ مثل المالنخوليا، والصرع. وقد قام بتأليف كتابه «الطب الروحاني» بغرض إصلاح أخلاق النفس.

أما الطبيب جبرائيل بن يختيشوع، والذي يُعد أحد أهم الأطباء الذين أسهموا في هذا المجال، فقد تمكن من علاج فتاة تعاني من نوع من أنواع الفصام يُطلق عليه الفصام التصلبي باستخدام ما يُعرف حـاليًّا بالعلاج السلوكي الذي يهتم بعلاج العرض الملاحظ. كما استطاع الشيخ الرئيس ابن سينا التعرف على ما يُسمى اليوم بالأمراض الوظيفية، وهي أمراض تحدث نتيجة لأسـباب نفسية، وتشمل كلاً من الأمراض العقلية والنفسية؛ كالاكتئاب، والأرق، والفصام، والهوس، وجنون العظمة، والاضطهاد، والشلل، والسكتة الدماغية. وقد خصص ابن سينا ثلاثة فصول من كتابه «القانون في الطب» للحديث عن طب النفس والأعصاب، كما يحتوي على وصف مفصل لمرض الفُصام.

وقد استخدم أوحد الزمان البلدي في علاجه لحالة الهلاوس ما يُعرف بالعلاج بالإيحاء، وهي طريقة تساعد المريض على التخلص من اعتقاده الفاسد. فيتضح مما سبق ريادة العلماء العرب واهتمامهم بالطب النفسي، في الوقت الذي كان الاعتقاد السائد في أوروبا في العصور الوسطى أن الأمراض النفسية والعقلية هي لعنة من السـماء عقابًا للمصاب على إثم ارتكبه، أو أن شيطان يعيش في جسمه!


المراجع
1. خالد أحمد حربي، إبداع الطب النفسي العربي الإسلامي، دراسة تأصيلية مقارنة بالطب الحديث، الكويت، ط 1، 2007.
2. طارق بن علي الحبيب، لمحة موجزة عن تاريخ الطب النفسي في بلاد المسلمين، الرياض، 1999.
3. عبد العزيز يوسف الأحمد، موسوعة علوم وعلماء العرب والمسلمين، ط1، الكويت، 2006.
4. عبد السلام السيد، موسوعة علماء العرب، ط2، الأردن، 2007.
 

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية