كثيرًا ما يُفترض أن العرب والمسلمين كانوا يميلون إلى تدمير الآثار الوثنية لحضارات ما قبل الإسلام، ولكن الحقيقة غير ذلك؛ حيث كان هذا التدمير استثنائيًّا ونادرًا. فقد عبر المؤرخ الشهير البغدادي عن إعجابه بالحكام المسلمين لاهتمامهم وحمايتهم لتلك الآثار. ولم تتوقف إنجازات الكُتَّاب العرب في العصور الوسطى عند الحفاظ على نسخ من الآثار التي اختفت فقط، بل امتد الأمر إلى حفظ معارف وعلوم مصر القديمة التي فُقدت من المصادر المعاصرة، ومن ثمَّ فإننا لا نعلمها إلا عن طريق المصادر العربية والإسلامية التي ترجع إلى العصور الوسطى.
وقد أُعجِب العرب بآثار مصر القديمة؛ فألفوا عنها عديدًا من الكتب؛ مثل أعمال أبي جعفر الإدريسي العظيمة، الذي خصص مجلدًا ضخمًا عن أهرامات الجيزة العظيمة، بالإضافة إلى عديد من الكتب عن تاريخ مصر القديمة. ومن المعروف أن العلماء العرب في العصور الوسطى حافظوا على العلوم والمعارف اليونانية القديمة، بل طوروها وحسنوها أيضًا.
لقد أظهر العلماء العرب اهتمامًا شاملًا بالحضارات القديمة، ليس فقط بغرض الانتفاع من العلوم المفيدة مثل الطب، والكيمياء، والميكانيكا، بل كانوا بحق مهتمين بثقافاتهم عامة مثلما كانوا مهتمين بمصر القديمة. فاعتقد العرب أن مصر هي بلد العلم والحكمة التي ابتدعها المعبود «تحوت»، الذي يُنسب إليه اختراع الكتابة، بجانب عديد من العلوم مثل الكيمياء والطب.
بدأت دراسة العرب للكتابات القديمة منذ القرن الأول للإسلام (القرن السابع ميلاديًّا). وفي كثير من الحالات استطاع العرب التعرف بشكل صحيح على مجموعة من العلامات المصرية؛ وذلك بفضل علماء مثل: ذي النون المصري، وابن وحشية، والإدريسي، والقلقشندي.
وجد العلماء العرب في العصور الوسطى العلامات المصرية القديمة ورموزها مصدرًا لإلهام؛ لتصميم الأدوات والمعدات الكيميائية، مثل ما قام أبو القاسم العراقي برسمه في كتابه الشهير «الأقاليم السبعة» (شكل 1). في حين استخدم الجزري هذا الإلهام في تصميم جهاز ميكانيكي آلي قام برسمه وشرحه في «كتاب معرفة الحيل الهندسية» (شكل 2).
بمرور الوقت، أصبح من السائد أن يقوم عديد من المؤلفين العرب بكتابة بعض السطور من النصوص المصرية القديمة وكيفية نطقها باللغة العربية ضمن شروحهم لموضوعات تخص حضارة مصر القديمة. في النهاية، نستطيع أن نقول إن العرب في العصور الوسطى كانوا مهتمين بالحفاظ على الحضارة المصرية القديمة ودراستها؛ حيث كانت محل تقدير واحترام؛ لما تنطوي على معارف وتجارب جليلة، بالإضافة لاقتناعهم بأن الحضارات القديمة هي جزء من تاريخ الإنسانية ككل.
شكل 1: علامات ورموز الهيروغليفية كمصدر إلهام لتصميم الأدوات الكيميائية في العصور الوسطى. أبو القاسم العراقي
.jpg)
شكل 2: آلة لرفع الماء من تصميم الجزري (القرن 12/13م)
المراجع
Okasha El-Daly, Egyptology: The Missing Millennium, Ancient Egypt in Medieval Arabic Writings, UCL Press, 2005.