إن أسوء أنواع الصراعات تلك التي نخوضها ضد أنفسنا. جميعنا مجهزٌ بجهاز مناعة يحمي أجسامنا من التهديدات الخارجية؛ مثل الفيروسات والبكتيريا. ويعني التمتع بجهاز مناعة قوي أن صاحبه ينأى بنفسه بسهولة عن العدوى، وأنه يشفى أسرع من شخص عليل المناعة. فإن جهاز المناعة يفعل ما بوسعه لحماية الجسم؛ ولكن ماذا إن أصابته علة ما؟ قد يصبح جهاز المناعة في هذه الحالة ألد عدو للجسم. فحينها، يصبح الجسم متحسسًا من نفسه؛ وبدلاً من أن يهاجم جهاز المناعة الفيروسات والأمراض فقط، يقوم بمهاجمة الجسم عن طريق الخطأ.
أحد تلك الأمراض المناعية مرض الذئبة الحمراء الجهازية، والذي يُعد مرضًا مزمنًا ومهددًا للحياة. وقد اتُّخِذَ للمرض ذلك الاسم؛ لأن الأطباء الذين شخصوه شبَّهوا الطفوح الجلدية الناجمة عنه ضمن أعراضه بعضة الذئب. ووصف المرض بالجهازي؛ لأنه يهاجم كل أجهزة الجسم؛ بما في ذلك الرئتين، والكليتين، والقلب، والمخ؛ كما يمكن أن يؤثر على المفاصل، والعينين، والبشرة.
عندما يهاجم الجهاز المناعي الأنسجة الصحيحة للجسم فإنها تلتهب، كما قد يمتد التلف لينال أعضاء كاملة. وفي حالة مرض الذئبة الحمراء الجهازية، لا يهاجم جهاز المناعة الجسم بشكل دائم، بل تكون هناك فترات ركود وفترات نشاط.
وليس من السهل تشخيص ذلك المرض، وأحيانًا ما يطلق عليه "المرض المحاكي"؛ لأن كثيرًا من أعراضه تماثل أعراض أمراض أخرى. وتشمل الأعراض – على سبيل المثال لا الحصر – الحمى غير الحادة، وآلام المفاصل والعضلات، والتعب. كما قد يعاني المريض من التعب حتى بعد النوم لفترات طويلة. ومن الأعراض الأخرى ظهور طفوح حمراء على الوجه تمتد عبر الأنف لتغطي الخدين في شكل الفراشة. وليتم تشخيص الذئبة الحمراء الجهازية، لا بد أن تظهر بعض الأعراض على المريض، وأن تجرى بعض تحاليل الدم.
يبقى السبب وراء مهاجمة جهاز المناعة الجسم الذي يتوجب عليه حمايته غير معروف. وللأسف، ليس هناك علاج لمرض الذئبة الحمراء الجهازية، غير أن ذلك لا يعني أنه بالإمكان تحجيمه. فهناك العديد من الأدوية التي تحدُّ من أعراضه، وهناك عقاقير للحالات الحرجة تعمل على تحجيم نشاط جهاز المناعة؛ مثل عقاقير التثبيط المناعي والكورتيزون. وأظهرت الأبحاث أن السيدات أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض من الرجال. ويمثِّل ذلك المرض حالة خطيرة لا يجب تركها دون علاج. ولكن يَظَلُّ هناك أمل؛ فالأدوية تحسن من جودة حياة الكثير من المرضى بشكل كبير. والصراع مع مرض الذئبة الحمراء الجهازية لم ينته بعد، فالبحث العلمي لم يزل مستمرًّا.
المراجع
www.rheumatology.org
www.lupus.org.uk