مِثْلُها مِثْلُ كل شيء آخر في الحياة، خضعت الأدوية لتطورات علمية هامة؛ فقد تحولت من كرات صغيرة تحوي مكوناتٍ طبية ممزوجة بمواد صلصالية أو خبز منذ قرابة 5000 عام في مصر القديمة، إلى مجموعة فائقة التنوع من الحبوب، والكبسولات، والشراب، وذلك ضمن أشكالٍ أخرى كثيرة صممت جميعها لمحاربة مختلف الأمراض وعلاجها. وهذه المجموعة المتنوعة - مثلها أيضًا كمثل كل شيء آخر في الحياة - لا تخلو من لمسة الألوان، والتي تستطيع إخبارنا العديد عن تلك الأدوية.
لم يكن للأدوية الملونة وجود حتى حلول النصف الثاني من القرن العشرين تقريبًا، حيث كانت ألوان معظم الأقراص ضاربة إلى البياض، إلا أنه مع استحداث الكبسولات الجيلاتينية اللينة والجامدة في ستينيات القرن الماضي، غزت الألوان مجال الصناعة الدوائية وأصبحت تلعب منذ ذلك الحين دورًا طبيًّا وتجاريًّا رئيسيًّا. ولقد تضمنت الألوان الأولى التي تم استخدامها الأحمر، والأخضر، والأصفر؛ والآن أصبحت أكثر من 80.000 تركيبة لونية متاحة للاستخدام في تغليف الحبوب، والبقية تأتي.
ولكن، هل للألوان أهمية حقيقية في هذا المجال؟ الإجابة نعم، هي هامة بالفعل. فلألوان الأدوية أهمية كبيرة لكل من مصنعيها ومستهلكيها بأوجه كثيرة. فقد يُستخدم اللون لخلق هوية لمُصنِّعٍ أو عقارٍ ما، وفي سوقٍ تسودها المنافسة الشرسة، تسعى شركات الأدوية لاستحداث مظهر فريد شكلاً ولونًا لتحسِّن من هوية منتجاتها.
وحيث إن للألوان دورًا هامًّا في تحويل الحبوب البيضاء العادية إلى علامة تجارية تحصد ملايين الدولارات للشركة المنتجة، لا تقل الأبحاث التي تتم عن اختيار لون العقار عن تلك التي تجرى على تركيبته. وعلاوة على ذلك، يدرك مسوِّقو العقاقير الطبية جيدًا أن ألوان الأدوية تُبقي على وفاء المرضى للمنتج الذي يمثل علامة تجارية، وذلك لفترة تتعدى تاريخ تسجيله، مما يحمي ذلك المنتج من منافسة العقاقير العامة الأخرى.
لكن اختيار ألوان الأدوية ليس بعملية عشوائية؛ فتشفير الأدوية باستخدام الألوان تطبيق نظامي قياسي يهدف إلى تصنيف الأدوية التي تقع في نفس المجموعة العقاقيرية(1) وتعريفها. ويسمح هذا النظام للمستهلكين بالربط بين ألوان محددة للعقاقير ووظائفها.
فعلى سبيل المثال، ناقش العديد من الباحثين استخدام الشفرات اللونية للأدوية للإشارة إلى مستويات خطورتها؛ فيمكن استخدام اللون الأحمر لتمثيل العقاقير شديدة الخطورة، أو بوصفه لونًا منبهًا لكبار السن لتناول أدوية القلب. كما ترجح بعض المنظمات المعنية بالممارسات الطبية الآمنة استخدام أغطية سوداء لزجاجات العقاقير التي تحتوي على كلوريد البوتاسيوم، نظرًا للمخاطر المحتملة جرَّاء إساءة استخدامها أو الالتباس بينها وبين العقاقير الأخرى.
وتؤخذ بعض الموضوعات الفنية الأخرى في الاعتبار عند تحديد شكل غلاف الكبسولات. فتتطلب بعض التركيبات الدوائية غطاءً معتمًا للكبسولات لحمايتها من الضوء، والأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية. بينما يتطلب البعض الآخر هذه الأغطية المعتمة لتعزيز ثبات تركيبتها والحد من تكون الجذور الحرة(2)، مما يبقي على فعالية العقاقير لفترة أطول. كما يرجح استخدام الأغلفة المعتمة للعقاقير ذات التركيبات الزيتية، وذلك لحمايتها من التعفن.
قال قدماء الرومان إن الإنسان "يأكل بعينيه أولاً"؛ وهذا القول ينطبق على الأدوية على الرغم من أننا لا نأكلها فعليًّا. فللأدوية الملونة تأثيرات حسية قوية تسهم في جعل المرضى أكثر تقبلاً لها، وخاصة عندما تكون هذه الألوان مرتبطة بالرائحة أو المذاق. فعلى سبيل المثال، سيتقبل الأطفال شرابًا وردي اللون أكثر من آخر أسود اللون؛ حيث يستحضر في أذهانهم عصير الفراولة.
فكر في الأمر قليلاً؛ كيف سيكون مذاق الكبسولات الرمادية أو رائحتها في اعتقادك: مدخن أم فاكهي؟ ماذا عن الكبسولات وردية اللون: حلو أو حامض؟ لقد قام فريق بحثي بجامعة بومباي بالهند بعمل استبيان يغطي ستمائة شخص، وذلك لدراسة كيفية تأثير لون الدواء على إدراك المرضى له. وقد أظهرت النتائج أن الناس يفضلون اللونين الأحمر والوردي عن الألوان الأخرى.
فيعتقد 14% من الأشخاص الذين خضعوا للاستبيان في أن الأقراص وردية اللون لها مذاق أحلى من الحمراء، وأن الأقراص الصفراء ذات طعم مالح؛ ويعتقد 11% منهم أن الأقراص البيضاء والزرقاء مُرَّة المذاق، بينما يعتقد 10% منهم أن الأقراص برتقالية اللون ذات مذاق حامض. وكان هدف ذلك الاستبيان هو زيادة التأكيد على دور العوامل الحسية للدواء في خلق إدراك إيجابي له يعزز من خواصه العلاجية.
فمن المرجح أن تصبح فعالية الأدوية أفضل إذا ما توافقت ألوانها مع النتائج المرجوة منها. ومن ثمَّ، فمن شأن قرص لونه أزرق هادئ أن يساعد في الظفر بنومٍ هادئ، بينما لن يكون قرص لونه أخضر ليموني جيدًا لعلاج الغثيان. علاوة على ذلك، فإن كان شكل الدواء المبهج سيجعل المريض يعتقد في أنه سيحقق النتائج المروجة، فغالبًا ما سينتفع المريض به بشكلٍ أفضل.
وهذه الحقيقة تزيد من أهمية ألوان الأدوية؛ حيث إنه في الطب، يعد كل عامل قد يؤثر إيجابًا على التزام المرضى بأخذ أدويتهم عاملاً رئيسًا في الشفاء. ولذلك يتعين على شركات تصنيع الأدوية اتخاذ قرارات ذكية بشأن تركيبات الألوان المناسبة التي قد تعطي دفعة للعقار، وتجعله أكثر فعالية، بل وربما تحد من أعراضه الجانبية أيضًا، وذلك على المستويين الطبي والتجاري.
ومن المهام الرئيسية الأخرى التي تقوم بها ألوان الأدوية الحد من الأخطاء الطبية المتعلقة باللبس بين العقاقير والجرعات المطلوبة. فقد أقر ثلاثة أرباع الأشخاص الذين تم استبيانهم من قِبل فريق جامعة بومباي البحثي أن لون الأقراص يعينهم على تذكر الدواء الواجب أخذه.
فتتسبب أخطاء الأطباء، والصيادلة، والمرضى المتعلقة بتناول الأدوية في عددٍ لا يحصى من الوفيات سنويًّا. ومن ثمَّ، فإن للأدوية ذات الألوان المميزة قيمة في حماية المرضى، وخاصة كبار السن الذين يأخذون أدوية عديدة، من تناول الأقراص الخاطئة، وذلك لأن مثل تلك الدلالات البصرية تعمل بمثابة آلية الدفاع الأخيرة بالنسبة إليهم.
وبالمثل، قد تنقذ العقاقير الطبية الملونة حياة المرضى في بعض الحالات الطارئة، والتي تُقدر كل لحظة فيها بثروة. فبينما يعجز المرضى عن التعبير لفظيًّا عن اسم الدواء الذي من شأنه إنقاذ حياتهم، يكون تمييزهم لأقراص حمراء اللون من بين أقراص ذات ألوان أخرى وإشارتهم إليها أسهل من تمييزهم للدواء المطلوب إذا كان أبيض اللون من بين مجموعة أقراص بيضاء.
لا شك في أن العقاقير الطبية شر لابد منه؛ فعلى الرغم من أن أحدًا لا يريد تناولها، إلا أننا لا نستطيع الاستغناء عنها. ولكن لأنها تمثل مصدرًا للخطر، فيتعين على البشر التعامل معها بحذرٍ شديد؛ وهنا تتدخل الألوان لتجعل من استخدامنا لهذه المجموعات من المواد الكيميائية المتفاعلة أمرًا مستحسنًا وأكثر أمنًا.
المصطلحات
- المجموعات العقاقيرية هي مجموعات تصنف إليها العقاقير وَفقًا للأعضاء أو الأجهزة التي تعالجها و/أو مواصفاتها العلاجية والكيميائية.
- الجذور الحرة هي ذرات تحتوي على إلكترون أحادي واحد على الأقل، ولذلك تكون غير مستقرة وشديدة التفاعل، في محاولة للارتباط بالذرات المجاورة، مما يجعلها عادة تسبب في حدوث اضطرابات.
المراجع
www.colormatters.com
www.ncbi.nlm.nih.gov
www.livestrong.com
www.colorcombos.com
www.upi.com