مذاق الألوان

شارك

ليس هناك شك في أن مظهر الطعام له تأثير كبير على رغبتنا في تناوله؛ ولهذا السبب يقضي الطهاة المحترفون أوقاتًا طويلة لتظهر أطباقهم في كمال تام، وتستثمر شركات الأطعمة أمولاً طائلة لتحسين مظهر منتجاتها. ولكن، ما حجم الدور الذي تلعبه "الألوان" بالتحديد في إدراكنا لمذاق الأطعمة؟

برتقالي أسطع = مذاق أحلى

أظهرت الدراسة المنشورة في دورية أبحاث المستهلك أن لون المشروب يؤثر على حكم الناس على مذاقه أكثر مما تفعل درجة حلاوته الحقيقية. فقد قام الباحثون بمعاملة عصير البرتقال عن طريق تغيير لونه (بمكسبات اللون)، وحلاوته (بكم السكر)، ووضع بطاقة على الكوب تحمل علامة تجارية ومعلومات عن جودته.

وقد وجدوا أنه على الرغم من أن العلامة التجارية تؤثر على تفضيل الشخص لكوب عصير على آخر، إلا أن وضع علامة تشير إلى أن أحدهما ذو علامة تجارية رائدة والآخر من إنتاج سلسلة متاجر شعبية ليس له تأثير على انطباع الناس عن طعمهما.

وعلى العكس، فلدرجة لون عصير البرتقال تأثير بالغ على انطباعات المتذوقين عن طعمه. فعندما تذوق أعضاء المجموعة البحثية كوبين من عصير البرتقال، وقد تم إعطاء أحدهما لونًا أبهى باستخدام مكسبات الطعم، استشعروا جميعًا اختلافًا في المذاق غير موجود في الأساس وفضَّلوا جميعهم مذاق العصير المعدل لونه. وعندما تذوقوا من كوبين لهما نفس اللون، ولكن أحدهما مُحلى بدرجة أكبر، فشلوا في إدراك الفرق بين مذاقهما، ومن ثمَّ أمكن إثبات أن لون ما نتناوله أكثر أهمية من مذاقه الحقيقي.

شريحة لحمٍ زرقاء وبطاطس مقلية خضراء

أثناء إحدى التجارب السابقة، تم تقديم وجبة من شرائح اللحم والبطاطس المقلية ذات ألوان شاذة، ولكنها بدت طبيعية تحت الأضواء الملونة. وقد ظن جميع المتذوقين أن الطعام مذاقه جيد حتى تم تغيير الإضاءة؛ فبمجرد أن أدركوا أن شريحة اللحم زرقاء وأن البطاطس المقلية خضراء أصيب بعضهم بالتوعك. (هذه التجربة منقولة عن كتاب "دولة الطعام السريع" (Fast Food Nation).

وترجع ردة الفعل هذه إلى أننا عادة ما نربط بعض ألوان الأطعمة ببغضٍ غريزي، ويعد اللونان الأزرق والبنفسجي أهمهما. فنظرًا لأن هذين اللونين نادران في الأطعمة الطبيعية، وهما مرتبطان بالأطعمة الفاسدة والمتعفنة، غالبًا ما نتوقع أن الأطعمة صاحبة هذين اللونين ليست حسنة المذاق أو أنها قد تكون مؤذية، مع العلم أن هناك استثناءات بالطبع.

وفي الطرف الآخر من الطيف، هناك بعض الألوان التي تزيد من استحساننا للطعام، وذلك لأننا قد أوجدنا روابط بين مذاق الأطعمة وألوانها، وإن لم تكن ألوانها الطبيعية. ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك الزبد، وهو أبيض اللون في حقيقة الأمر، ولكن يتم إكسابه لونًا أصفر ليبدو أشهى.

يبدو شفافًا ومذاقه بني

بينما تعلم شركات الأغذية أن المستهلكين يتأثرون بالاستخدام العمدي لمكسبات اللون التي تجعل الطعام أشهى، كانت هناك محاولات من بعض الشركات لسلك طريق معاكس؛ حيث قامت بإنتاج أطعمة ذات ألوان غريبة.

وأحد الأمثلة التي لم تلق نجاحًا كبيرًا لهذه المحاولات خدعة تسويقية لاستحداث مشروب بيبسي شفاف اللون في 1992. فباستثناء افتقاده للون الكراميل التقليدي، كان المشروب مثل البيبسي المعهود، ومن ثمَّ كان يجب أن يكون له نفس المذاق، ولكن ذلك لم يحدث وفشل المنتج فشلاً ذريعًا جرَّاء ذلك.

فلم يستطع المستهلكون تجاوز ذلك التناقض بين اللون والمذاق، والإحساس بأن هناك خطأ ما، فكان من الصعب عليهم استيعاب مشروب الكولا شفاف اللون، بل وزعم البعض أيضًا أن مذاقها كان شبيهًا بصودا الليمون على الرغم من أن هذه النكهات لم تكن مضافة للمشروب، وهذا مثال آخر على ارتباط ألوان الأطعمة بمذاقها.

تداخل الحواس

مثل هذه الروابط القوية بين اللون والمذاق قادت العلماء إلى الاعتقاد في أن حاسة التذوق تبدأ في المخ، وليس في اللسان. فالمعلومات التي نتلقاها من أعيننا تؤدي إلى ترقبنا لمذاق متعلق بلون الطعام أو الشراب، ويمكن لذلك الافتراض المسبق التغطية على المعلومات التي نستقبلها من خلايا التذوق الموجودة بألسنتنا.

ومن الناحية البيولوجية، ينبع إدراك المذاق من التكامل المركزي للمدخلات الحسية الخارجية المعروفة - شكل الأطعمة، ومذاقها، ورائحتها، وملمسها، ودرجة حرارتها، بل وصوتها أيضًا - والتي تشكل جميعها إدراكًا فميًّا موحدًا. ولكل من الحواس طريق للمخ موازٍ لطرق الحواس الأخرى، وهكذا تعمل جميعها معًا لإنتاج إدراكٍ مشترك.

إلا أنه في بعض المواقف، يحدث تداخل بين طريق وآخر. فرؤية اللون الأخضر المصفر من شأنه استثارة مذاق لاذع، بينما اللون الوردي يستثير مذاقًا حلوًا، ورؤية اللون الرمادي قد يستثير رائحة الدخان. وهذا نفس السبب الذي يجعلنا نعتقد أن عصير البرتقال الأسطع لونًا أحلى مذاقًا، وأن شرائح اللحم الزرقاء والبطاطس المقلية الخضراء لها طعم كريه؛ فيتسبب هذا التداخل بين حواسنا في حدوث ذلك الترابط بين اللون والمذاق.

ويكون ذلك التداخل بين الحواس عند عدد قليل من الناس قويًّا للغاية بحيث إنهم يستطيعون الشعور بالألوان؛ فهم يستطيعون تذوقها، وشم رائحتها، بل وسماع أصواتها أيضًا. وتعرف هذه الحالة بالحس المشترك، إلا أن تلك قصة أخرى. ففي المرة القادمة التي تتناول فيها أحد أطعمتك الملونة المفضلة، فكر لثوانٍ إن كنت فعلاً تحب طعمها أم أنك فقط تستمتع بمذاق لونها.

المراجع

Eric Schlosser, “Fast Food Nation: The Dark Side of the All-American Meal”,2000 Reed Business Information, Inc
sciencedaily.com
jrscience.wcp.muohio.edu
colormatters.com

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية