عندما اصطحبت ابنتي ذات الثلاث سنوات لمشاهدة فيلم الرسوم المتحركة ثلاثي الأبعاد «اللوراكس»، كنت أتوقع أن نشاهد فيلمًا مرحًا للأطفال ذا رسالة توعية بيئية خفيفة موجهة إلى الصغار؛ تلك الرسالة التي كنت متأكدة أن ابنتي لن تلحظها مع انشغالها بأكل البوشار والرقص على موسيقى الفيلم.
فهذا الفيلم مقتبس عن كتاب لدكتور سوس الشهير؛ وهو كتاب أُصدر عام 1971، ولكن للأسف لم تسنح لمعظمنا هنا في مصر فرصة قراءته. وتبدو قصة الكتاب سابقة لأوانها؛ فيمكننا حتى أن نسميها بالمستبصرة. تركز القصة على المحن البيئية، والمخاطر التي قد يتسبب فيها جشع الشركات والصناعة؛ وهي أمور قد بدأت في الظهور وقت صدور ذلك الكتاب، ولكنها لا تزال بعد أربعين عامًا ذات أهمية كبرى، بل أكبر من ذي قبل بكثير.
وتدور قصة الدكتور سوس ذائعة الصيت في منطقة "ثنيدفيل"، وهي بلدة متألقة النظافة كل شيء فيها اصطناعي؛ فأشجارها تُصَنَّع في المصانع، وحيواناتها قد ذهبت منذ زمنٍ طويل، وماؤها مسمم، وهواؤها ملوَّث لدرجة أن الجميع يتنفس هواءً معبأً في زجاجات يبيعها لهم رجل شرير.
في تلك المدينة كانت الطفلة الصغيرة أودري تحلم بشجرة حقيقية، وقد تعهد تيد ذو الاثني عشر ربيعًا بالعثور على واحدة من أجلها. وبمساعدة جدته التي ما زالت تتذكر الأشجار، يشرع تيد في البحث عن الوانسلر؛ ذلك المنعزل العجوز الذي يروي كيف حنث بوعده للوراكس – وهو مخلوق سحري وصي على جميع الأشجار – فقطع جميع أشجار التروفولا؛ ليتمكن من بيع منتج الثنيد لسكان البلدة، وهو منتج عديم الفائدة عبارة عن قطعة من القماش يرتديها الناس كقبعة أو بطرق أخرى، سريعًا ما مَلَّ منها الناس فتركوها.
هواءٌ معبأ... أشجارٌ مطاطية... قد تبدو تلك الأمور مثيرة للسخرية؛ إلا أنني لم أتمكن من مقاومة الشعور بأنها ليست ببعيدة عمَّا قد نواجهه قريبًا. ففي حقيقة الأمر، تتضمن هذه القصة عناصر مشتركة كثيرة مع القضايا البيئية التي نواجهها اليوم؛ مثل إزالة الغابات، وتلوث الهواء والماء، وقلة الموارد الطبيعية، والحيوانات المهددة بالانقراض جرَّاء ممارسات البشر، بما في ذلك تدمير التنوع الحيوي للنظام البيئي؛ وكلها قضايا خطيرة متمثلة في هذه القصة التي تتوقع وصولنا إلى ذلك الحال الذي قد يبدو الآن خيالاً طفوليًّا.
ومع ذلك، فالقصة ليست قاتمة؛ فهناك أمل في النهاية، وهناك دروس مستفادة يمكن أن نتعلم منها كيف نتجنب ذلك المصير. ومع انغماسي في القصة، لمست بعمق جميع الرسائل القوية التي تم تصويرها داخل الفيلم؛ فألهمتني ووجدت نفسي أتتبع الدروس التي يمكن أن نتعلمها من اللوراكس. وفيما يلي بضع أمثلة:
«ما لم يهتم شخصٌ مثلك كثيرًا لن يتحسن أي شيء أبدًا. لن يحدث ذلك أبدًا».
هذا ما قاله الدكتور سوس منذ أربعين عامًا، وهو ما يزال حقيقة. فما لم نبدأ في الاهتمام وفي تغيير الأمور بأنفسنا، سنجد أنفسنا في نهاية المطاف نحاول أن ننجو في أرضٍ قاحلة وقذرة.
فيعلمنا تيد الصغير أن مهمة حماية البيئة والحفاظ عليها لا تتم بدون التدخل الشخصي من كل إنسان؛ فقد اهتم وأخذ على عاتقه مهمة تغيير الأمور، ومن ثمَّ تمكن من العثور على الأمل في النهاية بغرس آخر بذور شجرة التروفولا وزراعة شجرة حقيقية مرة أخرى. ويمكن للكثير من الصغار والكبار على حدٍّ سواء التواصل مع شخصية تيد؛ فيتعلمون أن الإنسان يمكنه أن يُحدث فرقًا بمفرده. فكل ما على المرء هو أن يهتم "كثيرًا".
"كلما زاد الضباب في السماء، كلما أقبل الناس على الشراء."
"السيد أوهير" رجل أعمال جشع يتوصل إلى طريقة لبيع الهواء؛ فكان على دراية بأنه كلما زاد تلوث الهواء، زاد إقبال الناس على شراء الهواء المعبأ في زجاجات. وفي حين أن الرسالة الواضحة هنا هي انتقاد الرأسمالية الجشعة، إلا أن الدرس الأعمق والأهم هو ضرورة معالجة المشاكل البيئية من جذورها، وهو الأمر الذي استطاع تيد أن يفهمه.
فبدلاً من تنقية الهواء وبيعه في زجاجات بلاستيكية، الأمر الذي بدوره قد يزيد من تلوث البيئة إثر عملية تصنيع البلاستيك وخلق النفايات غير القابلة للتحلل، أدرك تيد أنه في حاجة إلى حل المشكلة من جذورها؛ في هذه الحالة عدم وجود الأشجار.
على الرغم من أن إزالة الغابات من أهم التحديات التي نواجهها اليوم – فيقدر أننا نفقد ما يعادل ستة وثلاثين ملعبًا لكرة القدم من الغابات في كل دقيقة تمر – فإن الرسالة المستترة هنا قد تكون انتقاد صناعة المياه المعبأة؛ حيث تعتمد على تلوث الموارد الطبيعية مما يؤدي إلى تلوث بيئي أكبر.
«تسقط الشجرة في اتجاه ميلها؛ فاحذر الطريق الذي تميل إليه.»
تلك هي مقولة اللوراكس التحذيرية إلى الوانسلر الذي كان في ذلك الوقت لا يزال شابًّا وحسن النية؛ حيث وجده يميل نحو ربحه الشخصي دون التفكير في الآثار الضارة على البيئة والحيوانات التي تحتاج الأشجار التي كان يقطعها.
وقد ظن الوانسلر أنه بقطع جميع أشجار التروفولا "يبني الاقتصاد فقط"؛ فلم يكن على دراية بالخطر الذي يشكله ذلك على الكوكب، وقد أدرك خطأه بعد فوات الأوان. فتركز التنمية المستدامة على تحقيق التوازن بين نوعية الحياة ونوعية البيئة، وهو المفهوم الذي لم يدركه الوانسلر، بينما تمكن الفتى الصغير من تقديمه بغرسه لآخر بذور شجرة التروفولا. وبالتالي، يمكن للأطفال والكبار التواصل مع الشخصية، وإدراك ضرورة المساعدة في الحفاظ على البيئة قبل فوات الآوان.
لقد علم اللوراكس أن منتج الثنيد المصنوع من أشجار التروفولا غير ذي فائدة أو غاية، ولكن الوانسلر كان منبهرًا بالمال؛ فأقنع الجميع بأنهم في حاجة إلى المنتج. والرسالة هنا معقدة أيضًا؛ فلا يجب علينا أن "نميل" نحو التنمية المستدامة فحسب، بل علينا أيضًا أن نقنن من تطلعاتنا لضمان مستقبل أكثر أمنًا. فيتعين علينا أن نسأل أنفسنا متى وأين نصبح ضحايا للنزعة الاستهلاكية غير المسئولة، وأن ندرك ما نحتاجه بالفعل وما هو غير ضروري، وأن نعمل على أن نصبح أكثر وعيًا بكوكبنا للحفاظ عليه. وبعبارة أخرى، نحن لسنا بحاجة إلى الثنيد!
ومع كل ذلك، فإن الدرس الذي علق بذهني بحق هو الدرس الذي قدمه اللوراكس، والذي قام بالأداء الصوتي لشخصيته الممثل الأسطوري داني ديفيتو مقدمًا أداءً نجوميًّا؛ حيث قال بصوته العميق:
«أنا اللوراكس، وأتحدث بلسان الأشجار!»
لقد وجدت اللوراكس في داخلي؛ فبدأت في الحديث بلسان الأشجار وما تمثله. ففي القصة، تحدث اللوراكس بلسان الأشجار. وعلى الرغم من أن الوانسلر لم يستمع إليه في البداية؛ فإنه في النهاية بدأ بالتحدث بلسان الأشجار هو الآخر. فهناك أمل في أن نصبح أصدقاءً للبيئة، والتوعية الجماهيرية هي المفتاح؛ لذلك نحن في حاجة إلى الإبقاء على الأمل حيًّا، وإلى الحرص على نشر الرسالة.
عند مغادرتنا صالة العرض السينمائي، سألت ابنتي ماذا فهمت من الفيلم؛ فكانت إجابتها أن الرجل الشرير قد قام بقطع جميع الأشجار، وهو أمرٌ خاطئ؛ فيجب ألا نقطع الأشجار؛ حتى لا يتسخ الماء والهواء!
لقد استوعبت ابنتي الصغيرة الرسالة إلى حدٍّ ما، بشكل أو بآخر، وهو ما يدعو في حد ذاته إلى الأمل والتفاؤل في نهاية الأمر.
المقال الأصلي منشور في مجلة كوكب العلم، عدد خريف 2012.