هل تتخيل حياتك بدون ماء؟ بالطبع لا، فالحياة بدون ماء مستحيلة؛ ونحن بحاجة إلى الماء لنحيا.
الماء عنصر أساسي في الجسم؛ فمجرد الانخفاض الطفيف في المياه في الجسم قد يضعف من أداء وظائفه بشكل سليم، وقد نواجه عواقب وخيمة. ومع ذلك، فإن الكثير منا يعتبر الماء من المسلَّمات، وأنه سيظل دائمًا في متناول أيدينا، إلا أن هناك العديد من الأشخاص غير المحظوظين الذين لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب.
فهناك ما يقرب من 1,2 مليار شخص لا يزالوا يعانون من نقص المياه الصالحة للشرب، ولذلك فحوالي 80% من الأمراض في الدول النامية مرتبطة بالمياه، مثل الكوليرا والزحار (الدوسنتاريا) والإسهال. قد تساعد بعض التقنيات البسيطة لمعالجة المياه بالمنازل، مثل المعالجة بالكلور(1) والمرشحات وتطهير المياه باستخدام الطاقة الشمسية(2)، وكذلك تخزينها في أماكن آمنة في إنقاذ أعداد هائلة من الأرواح كل عام.
عادة ما يحصل سكان المدن على احتياجاتهم من المياه من محطات معالجة المياه العامة؛ حيث يتم تخزين المياه في خزان. وتُعَد إزالة القمامة والنفايات من المياه أول خطوة في عملية التنقية؛ وعادةً ما تكون تلك النفايات كبيرة الحجم، فتُستَخدم شبكة من الأسلاك للتخلص منها. ومن ثَمَّ، يتم خلط المياه التي لم يتم معالجتها بسرعة مع المواد الكيميائية المختلفة وذلك لتغيير درجة الحموضة(3)، الأمر الذي يساعد في ترسب المواد الصغيرة الصلبة العالقة وتكتلها. وبعد مرحلة إضافية من الترسيب، يتم تمرير المياه خلال مرشحات مكونة من الرمال والعقيق وفحم الإنتراسيت، وذلك لإزالة المواد الأصغر حجمًا. وأخيرًا، يتم تطهير المياه باستخدام غاز الكلور أو مركبات الكلور أو الأوزون أو الأشعة فوق البنفسجية، وذلك قبل أن يتم ضخ المياه في أنظمة التوزيع المكوَّنة من أنابيب المياه والخزانات في طريقها إلى منازلنا.
في الدول النامية، تواجه شركات معالجة المياه مشاكل عدة، ومنها عدم توافر المواد الكيميائية وارتفاع أسعارها وكذلك عدم كفاية القوى العاملة الماهرة. كما تُعتبر بعض المواد الكيميائية المستخدمة في عمليات تنقية المياه لإزالة التعكير غير آمنة مثل كبريتات الألمونيوم المستخدم على نطاق واسع، وهناك تخوف من أن تناول أيونات الألمونيوم قد يؤدي إلى الإصابة بمرض الزهايمر.
ولا يُعَد استخدام كبريتات الألمونيوم وهيبوكلورايت الكالسيوم خطرًا فحسب، بل يشكل ضغطًا على الموارد الاقتصادية للبلاد أيضًا لكونهما مستوردان، مما يجعل عملية معالجة المياه مكلفة وبالتالي تفوق قدرات سكان المناطق الريفية. ونظرًا لأهمية المياه، لا توجد خيارات أخرى أمام سكان الريف سوى اللجوء إلى بعض المصادر مثل: السدود والآبار والجداول والأنهار والبحيرات. وعادةً ما تكون المياه المستخرجة من هذه المصادر ملوَّثة بكائنات حيَّة دقيقة والتي قد تؤدي إلى العديد من الأمراض بما في ذلك داء دودة غينيا والبلهارسيا.
نحن على دراية بمعاناة الأماكن النائية في مصر من عدم توافر المياه النظيفة الصالحة للشرب، ويرجع ذلك إلى ندرة محطات معالجة المياه. وتتأثر صحة الفلاحين وسكان تلك المناطق بسبب عدم توافر المياه الصالحة للشرب، وذلك لأن المياه المتوفرة لهم ملوَّثة بالبكتيريا والطفيليات الضارة.
وفي عام 2003، قام برنامج المعونة الأمريكية بإدخال محطات معالجة المياه باستخدام مرشحات الرمال إلى القرى، وقد قامت بتمويل بناء تلك المحطات. ويتم تنقية المياه من نهر النيل باستخدام الرمال والحصى لإزالة الشوائب، ومن ثَمَّ تتم معالجتها بالكلور. ومن مزايا تلك المحطات الفعالية العالية في معالجة المياه من خلال إزالة التعكير والبكتيريا والطفيليات. ونظرًا لطبيعة العمل اليدوي في عمليات محطات المعالجة، فإنه لا يتطلب مهارات آلية عالية من العاملين وذلك لتسهيل إدارة وصيانة تلك المحطات. والآن يستطيع الفلاحون في قرية طينة الجبل وقرية جبل الطير في محافظة المنيا الحصول على المياه الصالحة للشرب، وقد تحسنت صحتهم كثيرًا. إلا أن هناك العديد من القرى الأخرى التي لم تنل ذلك الحظ؛ وبالتالي، يجب توافر حلول أفضل وأسهل لتحسين حياة قاطنيها.
ولكن، هل من حل لا يحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة أو أيد عاملة أو الحاجة إلى إهدار الكثير من المال؟
الإجابة: نعم؛ فقد فعلتها الطبيعة الأم مجددًا بتوفير "المورينجا أوليفيرا"! ويُطلق على تلك الشجرة اسم "الشجرة المعجزة"، فهي شجرة خضراوات تنمو في إفريقيا وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا. وتمتلك أشجار المورينجا القدرة على النمو بشكل سريع من الحبوب أو من القصاصات، فلها القدرة على النمو في التربة الهامشية الفقيرة، كما أنها تتطلب قليلاً من الرعاية البستانية، ويمكنها أن تصمد أمام فترات طويلة من الجفاف.
تقوم بذور المورينجا المطحونة بتنقية المياه لتتناسب مع الاستخدام المنزلي، ولتقليل تلوث المياه وتركيز البكتيريا فيها مما يجعلها آمنة للشرب. وتعتبر هذه العملية طريقة سريعة وبسيطة لتنقية مياه الأنهار غير النظيفة.
كيف تعمل تلك البذور؟
تترك حاملات الحبوب على الشجرة لتجف بشكل طبيعي قبل أن يتم حصادها. ومن ثَمَّ يتم طحن وغربلة تلك البذور باستخدام الأساليب التقليدية المتبعة في إنتاج دقيق الذرة. ولمعالجة المياه، نحتاج إلى حوالي 50-150 ملليجرام من البذور المطحونة لمعالجة لتر واحد من مياه الأنهار، وهذا يتوقف على كمية المواد العالقة.
ثم يتم خلط كمية قليلة من المياه مع البذور المطحونة لتشكيل عجينة؛ فتنضم بودرة البذور المطحونة مع المواد الصلبة الموجودة في المياه ومن ثم تغوص إلى الأسفل. وهذا يُعتبر عاملاً طبيعيًّا وفعالاً لتنقية المسطحات المائية الملوثة وغير المعالجة. كما تقوم هذه العملية بإزالة 90-99% من البكتيريا الموجودة في المياه، وبالتالي تقوم بتحسين صلاحيتها للشرب، الأمر الذي يجعلها أكثر إرضاءً للاستهلاك البشري من الناحية الجمالية والميكروبيولوجية. وباستخدام المورينجا لتنقية المياه، سوف نتوقف عن استخدام المواد الكيميائية مثل كبريتات الألمونيوم باهظة الثمن والتي تشكل خطرًا على الناس والبيئة.
تُعتبر المياه مصدرًا أساسيًّا لحياة البشر؛ ولسوء الحظ، فإنها ليست متوفرة بشكل آمن للجميع. وهناك العديد من الطرق لمعالجة المياه، ولكن تختلف عملية التطبيق من مكان إلى آخر. لذلك فإن التفكير الابتكاري والاكتشافات الجديدة في هذا المجال لأمر ضروري لصالح البشرية؛ فلا غنى عن المعرفة العلمية والبحوث المتخصصة لتحديد الطرق الطبيعية والفعالة من حيث التكلفة لتوفير المياه الصالحة للشرب، وذلك من أجل حياة أفضل للجميع.
المصطلحات
- المعالجة بالكلور: هي عملية إضافة الكلور إلى المياه كوسيلة لتنقيتها لجعلها صالحة للاستهلاك البشري كمياه للشرب.
- تطهير المياه باستخدام الطاقة الشمسية: هي وسيلة لتطهير المياه باستخدام أشعة الشمس والزجاجات المصنوعة من البلاستيك فقط. وهي طريقة مجانية وفعَّالة لمعالجة المياه اللامركزية، والتي عادةً ما تطبق على المستوى المنزلي، وتوصي بها منظمة الصحة العالمية كوسيلة لمعالجة المياه والتخزين الآمن في المنازل.
- درجة الحموضة. هي مقياس لحموضة أو قاعدية المحلول المائي.
المراجع
www.usaid.gov
encyclopedia.kids.net.au
ezinearticles.com
academicjournals.org
www.treesforlife.org
*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد ربيع 2011.