ماذا سنفعل إذا اختفت الأصباغ من حياتنا؟ فهي مادة سحرية تغطي الشعر الأبيض وتحافظ على مظهرنا شابًّا فتمنحنا الثقة بأنفسنا، الأمر الذي يتماشى يدًا بيد مع تطور شخصياتنا وطريقة تفاعلنا مع الآخرين.
وصبغة الشعر من الأشياء المتداولة كثيرًا الآن، فنجد أن 75% من النساء يقمن بصبغ شعورهن بالإضافة إلى نسبة من الرجال أيضًا. كيف تعمل صبغة الشعر؟ صبغة الشعر هي نتيجة سلسلة من التفاعلات الكيميائية تحدث بين جزئيات الشعر والصبغات، إلى جانب البيروكسيد والأمونيا إن وجدا.
ماذا يوجد داخل الشعر؟
يتكون الشعر أساسًا من الكيراتين، وهو نفس البروتين الموجود في البشرة والأظافر. ويعتمد لون الشعر الطبيعي على نسبة وكمية نوعين آخرين من البروتينات: الإيوميلانين المسئول عن الألوان ما بين البني والأسود؛ والفيوميلانين المسئول عن الشعر الأشقر الذهبي والشعر الأحمر. وغياب أحد أنواع الميلانين السابق ذكرها يؤدي إلى ظهور الشعر الأبيض.
تستخدم مواد التبييض لتفتيح لون الشعر؛ فهي تقوم بأكسدة جزيئات الميلانين الموجودة في الشعر فتزيل اللون عن طريق تفاعل كيميائي دائم، ويظل الميلانين موجودًا داخل الشعر ولكن الجزيئات التي تمت أكسدتها تصبح بدون لون. وبالرغم من ذلك، فالشعر الذي يتم تبييضه يكون لونه مائلاً للأصفر، وهو لون الكيراتين الأصلي. بالإضافة إلى ذلك، يتفاعل المُبَيِّض بقوة أكبر مع صبغة الإيوميلانين الداكنة من تفاعله مع الفيوميلانين؛ لذلك يلاحظ بقاء بعض من اللون الأصفر أو الأحمر بعد تفتيح الشعر عن طريق التبييض.
صبغة الشعر قديمًا
حتى القرن التاسع عشر، كانت الصبغات المتاحة هي تلك التي يتم تحضيرها من المكونات الطبيعية؛ فكان يمكن تكوين العديد من الألوان التي يتم صبغ الشعر بها عن طريق مزج المستخلصات النباتية المختلفة معًا. فعلى سبيل المثال، يمكن مزج اللون النيلي مع الحناء لتكوين درجات مختلفة من اللون البني.
ومن المواد الأخرى التي يمكن استخدامها في صبغ الشعر أو الشعر المستعار نجد شب الصخور والكبريت الأسود والعسل، بالإضافة إلى الرصاص والجير والملح ونترات الفضة في ماء الورد. وهناك طريقة أخرى بدائية لصبغ الشعر عن طريق استخدام مساحيق نشا القمح ونشا البطاطس مع الطباشير والمرمر المحترق والمواد الملونة كأصباغ السيينا البُنِّيَّة أو الأصباغ البنية المصفرة.
كما تم استخدام العديد من المستخرجات النباتية لصبغ الشعر في أوروبا وآسيا قبل ظهور الصبغات الحديثة. فكانت خلاصة زهرة الكاموميل تستخدم لتفتيح الشعر، ولا تزال تستخدم في تحضير الكثير من الصبغات الحديثة. كما تم إنتاج بعض الصبغات الأخرى من أوراق الجوز أو قشور المكسرات، وأيضًا من الصفراوات، وهو أحد أنواع أشجار البلوط. ويتم مزج بعض تلك الصبغات المستخرجة من النباتات مع المعادن، مثل النحاس والحديد، لإنتاج ألوان غنية تستمر لفترات طويلة.
تطور صبغة الشعر
لصبغ الشعر يجب فتح طبقة الشعر الخارجية، أو القشرة، قبل وضع اللون الدائم؛ فعندما يتم فتح القشرة، تتفاعل الصبغة مع الجزء الداخلي من الشعر، أو اللحاء؛ لتثبيت اللون أو إزالته. ومعظم عمليات صبغ الشعر الدائمة تمر بمرحلتين غالبًا ما تحدثان في نفس الوقت: أولاً، إزالة لون الشعر الأصلي، ثم تثبيت اللون الجديد.
والأمونيا هي مادة كيميائية قلوية تعمل على فتح قشرة الشعر لتسمح للصبغة باختراق اللحاء. كما تعمل أيضًا كعامل مُحَفِّز عندما يمتزج لون الشعر الأصلي مع البيروكسيد الذي يستخدم كعامل معالج أو مؤكسد لإزالة اللون الموجود أصلاً بالشعر.
ويقوم البيروكسيد بكسر الروابط الكيميائية في الشعر فيقوم بإطلاق الكبريت، وهو المسئول عن الرائحة النفاذة التي تصدر أثناء صبغ الشعر. ومع إزالة لون الميلانين، يظهر لون دائم جديد ويلتحم بلحاء الشعر. وقد تتواجد أنواع مختلفة من الكحوليات ومنعمات الشعر في الصبغات؛ حيث تقوم منعمات الشعر بغلق قشرة الشعر بعد صبغته لتثبيت اللون الجديد والحفاظ عليه.
ثورة صبغات الشعر
شهدت أواخر القرن التاسع عشر مولد بيروكسيد الهيدروجين كعامل لتفتيح لون الشعر بكفاءة. منذ ذاك الوقت بدأ تجريب المركبات الكيميائية لإنتاج الصبغات الصناعية. فكان البيروجالول، والذي بدأ استخدامه منذ 1845، هو أول مركب كيميائي يتم تطويره بمزجه بالحناء لصبغة الشعر باللون البني.
كما شهدت أوائل الثمانينيات من نفس القرن ظهور الصبغات الأمينية. وقبل وضع تلك الصبغات على الشعر يتم مزجها مع الصودا الكاوية أو كربونات الصوديوم أو الأمونيا؛ ثم يتم إضافة بيروكسيد الهيدروجين، وهو المسئول عن ظهور اللون.
في عام 1950، كان لشركة "كليرول" السبق في إنتاج الصبغات التي تقوم بصبغ الشعر في خطوة واحدة، وهو الأمر الذي يسهل من عملية تلوين الشعر ويقلص من الوقت المهدر في غسله وتفتيحه قبل الصبغة.
ولكن، علام تحتوي الصبغات الحديثة؟ بالإضافة إلى الصبغة نفسها، غالبًا ما تحتوي على مُعدِّلات للون ومضادات للأكسدة ومواد قلوية وصابون وأمونيا ومواد لترطيب الشعر ومجموعة متنوعة من الروائح ومزيج من عدة مركبات أخرى تضفي مواصفات مختلفة للشعر حسب نوعه ولونه وملمسه. كما يمكن إضافة أكاسيد المعادن كعناصر ملونة.
"الريسورسينول" هو مُعَدِّل يستخدم كثيرًا في الصبغات، فيقوم بإظهار اللون أو تثبيته. وتقوم مضادات الأكسدة، مثل كبريتيت الصوديوم، بمنع الصبغة من الأكسدة عند التعرض للهواء. وتعمل الصبغات بكفاءة في تركيب قلوي فتتم إضافة القلويات مثل هيدروكسيد الأمونيوم.
وبالإضافة للمواد السابق ذكرها، توجد مجموعة أخرى من المواد الكيميائية التي تضفي على محلول الصبغة صفات معينة تلائم أنواع الشعر المختلفة. ويوجد الكثير من أنواع الصبغات في الأسواق مثل الصبغات المؤقتة والصبغات شبه الدائمة التي تخترق قشرة الشعر ولكن تزول بعد غسل الشعر من خمس إلى عشر مرات.
في المرة القادمة التي ترى فيها زجاجة صبغة أو تذهب فيها إلى صالون تصفيف الشعر، تذكَّر القصة الطويلة وراء تلك الروائح التي تشمها والتي مصدرها ذلك المركب الساحر الذي هو الصبغة؛ ثم فَكِّر كم سيصبح العالم شاحبًا ومملاًّ بدونها.
المراجع
chemistry.about.com
free-beauty-tips.glam.com
lifemojo.com
mypureradiance.com
antioxidants-anti-aging-super-foods.com
suite101.com
chemistry-in-context.com
ultimate-cosmetics.com
holyland-cosmetics.com
enotes.com
helium.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في «نشرة مركز القبة السماوية العلمي»، عدد صيف 2011.