يشغل العمل جزءًا كبيرًا من وقت البشر واهتمامهم، كما يؤدي دورًا محوريًّا في تشكيل الإحساس بقيمة الذات والهوية. وقد أثرت التطورات التكنولوجية بشكل مباشر وغير مباشر في كيفية اختبار الناس للعمل في أثناء حياتهم.
فتؤدي كل موجة جديدة من التطور التكنولوجي إلى أنواع جديدة من الأنظمة، ووسائل جديدة لابتكار الأدوات، وأشكال جديدة من البيانات؛ بحيث تمحو كل موجة جديدة سابقتها. إلا أن تطور التكنولوجيا الحاسوبية يعد تسلسلًا من الابتكار؛ فهي عملية مميزة للتكنولوجيا المادية التي تشكل عالمنا.
على سبيل المثال، هناك تسلسل إلهامي ابتداءً من اكتشاف الساقية، مرورًا بمحرك البخار، ووصولًا إلى محرك الاحتراق الداخلي. فينطوي ذلك على عملية تمكين. فقد أدت الصناعة القائمة على محركات البخار إلى المهارات والخامات والأدوات التي استخدمت في بناء أول محركات الاحتراق الداخلي. إلا أن التكنولوجيات الحديثة في عالم الحوسبة لا تقوم فقط بحلول محل سابقاتها، بل تحتويها أيضًا؛ وهذا يؤدي إلى إنشاء منصات جديدة لتعيد ابتكار نفسها وصولًا إلى مستويات أعلى من التكنولوجيا.
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت هناك تطورات مستقلة في إتاحة الحوسبة غير المكلفة والسريعة، وكذلك أقراص تخزين البيانات غير المكلفة، بالإضافة إلى التواصل الشبكي. فانتقلت الحوسبة وتخزين البيانات إلى الحواسب الشخصية، التي كانت قبل ذلك الوقت قليلة ومستخدمة بشكل أساسي للعب والمعالجة الكتابية. في الوقت نفسه اتسع انتشار تكنولوجيات التواصل في أقسام علوم الحاسب الآلي بالجامعات؛ الأمر الذي جعل من التطوير التعاوني لبرامج الحاسوب أمرًا ممكنًا لأول مرة.
فظهرت ثقافة التطوير مفتوح المصدر؛ إذ لم يعد من الممكن للمجتمعات المتفرقة استخدام أنظمة التشغيل الشائعة نفسها، ولغات وأدوات البرمجة ذاتها فحسب، بل أصبح يمكنهم أيضًا الاشتراك في تطويرها بشكل جماعي. وبانتشار الشبكات أصبح من الممكن ترويج الأدوات المتطورة حديثًا في مكان ما ومشاركتها واستخدامها في أماكن أخرى بسرعة. أدى هذا إلى تغير فكرة ملكية البرامج، وكيفية تصميم البرامج وابتكارها، وكذلك من يتحكم في البيئات التي نستخدمها.
أصبحت الشبكات نفسها أيضًا أكثر انتظامًا وتداخلًا؛ الأمر الذي أفضى إلى شبكة الإنترنت العالمية بصفتها بنية مرورية تحتية رقمية. أدت زيادة قوة الحوسبة إلى فائض في القدرة على توفير الخدمات عن بعد. وأدى انخفاض سعر أقراص تخزين البيانات إلى قدرة القائمين على الأنظمة على توفير مساحات للتخزين لاستضافة المخزونات التي يمكن استخدامها عالميًّا. فلم تعد تقتصر شبكة الإنترنت على البريد الإلكتروني ومنتديات الدردشة، بل أصبحت آلية لتبادل المعلومات. كل هذا لم يؤدِ فقط إلى كسر الحواجز فيما يتعلق بالحوسبة، بل كذلك في طبيعة العمل نفسه.
فاليوم لم نعد مقيدين في مكاتبنا أو محددين بفرق عمل معينة للقيام بعمل جيد؛ فأصبحنا نعمل في أي مكان، ومع أي شخص، وفي أي وقت؛ لتحقيق أهدافنا بأفضل شكل، فلم يعد هناك حدود لما يمكن تحقيقه. ليس ذلك فحسب، فحتى التعليم واكتساب المهارات اللازمة لتحسين قدرتنا على العمل وتوسيع إمكانياتنا لم يعد مقتصرًا على الفصول الدراسية أو ساعات الدراسة المحددة. ليس غريبًا إذًا أن أصبحت المعرفة والابتكار والإنتاج في أعلى مستوياتها، وإن كانت تلك هي البداية فحسب.
المراجع
weforum.org
idealog.co.nz
horizons.gc.ca