لطالما وجدنا الأبطال الرياضيين ناجحين في علاقاتهم مع الآخرين، محبوبين من مشجعيهم، واثقين من أنفسهم، يتميزون بسمات الشخصية القيادية، بالإضافة إلى نجاحهم خلال مسيرتهم المهنية. وعلى النقيض، نجد مواهب رياضية رائعة، لكنها تذوي سريعًا ولا تدوم نتيجة خلل ما يؤثر بشكل سلبي في موهبتهم وعلى علاقاتهم الاجتماعية مع الآخرين. فالتدريب البدني لا يكفي وحده لإبراز المواهب المميزة للشخص الرياضي، بل يوجد جانب هام جدًّا يجب ألا يغفله كل مدرب مسئول عن أشخاص رياضيين؛ وهو الجانب النفسي وهو ما يهتم به علم النفس الرياضي.
تاريخ علم النفس الرياضي
علم النفس الرياضي هو علم من العلوم الحديثة التي ظهرت في أوائل القرن الماضي على يد كولمان غريفيث، الذي بدأ دراساته في عام 1918، وكان وقتها لا يزال طالبًا. وكانت تلك الدراسات تهتم بدور الرؤية والانتباه في التنبؤ بأداء لاعبي كرة السلة وكرة القدم.
في عام 1925، أنشأ غريفيث أول معمل للأبحاث الرياضية في جامعة إلينوي؛ حيث بدأ أبحاثه عن الأداء الرياضي، وفي العام نفسه نشر مقاله الشهير بعنوان «علم النفس وعلاقته بالتنافس الرياضي»، الذي تناول قيمة علم النفس للأداء الرياضي.
تطور علم النفس الرياضي على يد الباحثين بعدما ظهرت أهميته في تحسين أداء اللاعبين وتحقيق نجاحات باهرة. فأصبح لدى أخصائيي علم النفس الرياضي كثير من المهام ليقوموا بها تجاه اللاعبين، مثل تقديم الاستشارات النفسية، وتقديم المساعدة للفرق الرياضية، وعمل الأبحاث المتعلقة بعلم النفس الرياضي لتطوير مهارات الرياضيين وتحسين أدائهم.
مفهوم علم النفس الرياضي
علم النفس الرياضي هو العلم الذي يهتم بدراسة تأثير العوامل النفسية في الأداء الرياضي؛ فبعض العلماء المختصين في هذا المجال يهتمون بتحسين الأداء الرياضي من خلال التعديل في هذه العوامل، والبعض الآخر يستغل ممارسة الرياضة في تحسين حياة الأشخاص بشكل عام وعلى المدى الطويل.
وعلم النفس الرياضي فرع أساسي من فروع علم النفس يختص بدراسة كل ما يتعلق بنفسية الرياضي وقدراته وسماته الشخصية بجانب الاهتمام بمستواه البدني وتدريباته، واستغلال موهبته وسماته استغلالًا صحيحًا؛ وهو ما يؤدي إلى الوصول إلى نجاح باهر.
يهتم علم النفس الرياضي بدراسة عديد من المفاهيم والنظريات، ومن أهمها:
- القضايا والتقنيات المتعلقة بالتقييم النفسي والمهارات الذهنية للرياضيين.
- المسائل الطبية والاستشارات الخاصة باللاعبين.
- الأمور التنموية والاجتماعية المتعلقة بالمشاركات الرياضية.
- القواعد السلوكية للرياضات والتمرينات.
- دراسة علم التدريب والمتطلبات التقنية للمنافسات الرياضية.
أهمية علم النفس الرياضي
لا يمكن أن ننكر أهمية هذا الفرع من فروع علم النفس؛ فبفضله استمرت مواهب رياضية عديدة، وازداد نجاحها. وتتلخص هذه الأهمية في عدة نقاط:
- تحسين أداء اللاعبين: يعتمد أخصائي علم النفس الرياضي على استخدام عدة تقنيات مثل التخيل أو التصور، والحديث مع الذات، وأساليب الاسترخاء؛ للوصول إلى الاستقرار النفسي الطبيعي، الذي بدونه لا يستطيع اللاعب الوصول إلى النجاح وتحقيق الإنجازات.
- مساعدة اللاعبين في التغلب على الرهبة أو الخوف: للأسف، تذوي عديد من المواهب الواعدة بسبب الرهبة أو الخوف، سواء من الفشل أو من مواجهة الجمهور؛ الأمر الذي يهتم به كثيرًا أخصائيو علم النفس الرياضي، وهو محاولة طمأنة اللاعب ومساعدته على مواجهة مخاوفه.
- تخفيف الضغوط النفسية على اللاعبين: يتعرض اللاعبون طوال الوقت للضغوط النفسية والبدنية، سواء من المدربين أو من الأهل أو من الجمهور؛ لأن كل هؤلاء ينتظرون نجاحه بغض النظر عن حالته النفسية أو البدنية. هنا يأتي دور علم النفس الرياضي في التخفيف من هذه الضغوط التي يتعرض لها اللاعب، ولا يقتصر دوره على اللاعب فقط، بل يمتد ليشمل التحدث مع المدربين والأهل.
- التعافي من الإصابات: على الرغم من اعتقاد أغلب الناس بأن الإصابات البدنية لا علاقة لها بالصحة النفسية للأشخاص، فإن ذلك ليس صحيحًا، فمن ضمن المهام التي يختص بها أخصائي علم النفس الرياضي هي مساعدة اللاعب بعد الإصابة على تحمل الألم، والالتزام بعلاجه، وتقبل كونه بعيدًا عن المباريات أو المسابقات في فترة علاجه حتى تمام الشفاء.
- متابعة التدريبات المستمرة: على الرغم من أن أغلب اللاعبين - إن لم يكن كلهم - يحافظون على استمرار تدريباتهم مع مدربيهم، فإن بعض اللاعبين يظلون غير قادرين على تحقيق الأهداف المطلوبة. في هذه الحالة يتدخل أخصائي علم النفس الرياضي لتحفيز اللاعب، ومحاولة حل أي مشكلة يتعرض لها اللاعب، سواء كانت نفسية أو عضوية.
- الاستمتاع بالرياضة: لا يقتصر دور علم النفس الرياضي على التعامل مع الرياضيين المحترفين فحسب، بل يمتد أيضًا للتعامل مع الأطفال أو الهواة؛ وذلك عن طريق تحفيزهم إلى لعب الرياضة، وتهيئة البيئة المناسبة للاستمتاع بها.
لا تكفي التمرينات البدنية وحدها لجعل اللاعب ناجحًا؛ فعلم النفس الرياضي يساوي في أهميته التمرينات البدنية لأنه ما يُظهر مهارة الرياضي وموهبته، وبدونه يمكن أن تُطفأ تلك الموهبة، ولا يمكن الاستفادة منها.
المراجع
apa.org
psychcentral.com