قام البشر على مر التاريخ باختراع العديد من الآلات التي غيرت العالم للأبد. وتعتبر مطبعة جوتنبرج إحدى تلك الآلات؛ فهي من أهم العناصر المؤسِّسة لعصر النهضة؛ حيث أدَّى ابتكارها لظهور العديد من العلماء الذين وضعوا نهاية للعصور المظلمة، الأمر الذي مهَّد الطريق إلى الثورة الصناعية.
لنفهم أهمية المطبعة، يجب الإشارة إلى أنه قبل ظهورها كانت جميع الكتب والوثائق عبارة عن مخطوطات يدوية؛ فكانت كتابة الصفحة الواحدة مهمة صعبة وتستغرق وقتًا طويلاً. لذلك كانت الكتب باهظة الثمن فلم يتم نسخ ما عدا النصوص الأكثر شعبية عالميًّا.
فيما بعد، أنتجت الكنيسة الكتب لأغراض خاصة بها عن طريق الحفر في الخشب. وكان يتطلب ذلك تقطيع الخلفية وترك المنطقة المراد طباعتها مرتفعة. وتم تطبيق تلك الطريقة على كل من النصوص والرسوم، فكانت تهدر الكثير من الوقت. وعند الانتهاء من صفحة معينة، والتي عادةً ما كانت تحتوي على مجموعة من الفقرات المتصلة ببعضها البعض، يتم وضع الحبر عليها ثم الضغط عليها باستخدام ورقة بيضاء لطبع المحتوى. ولحساسية الأخشاب ضد العناصر الطبيعية المختلفة، لم تدم تلك المطبوعات طويلاً.
حتى أتى عام 1440 حين ابتكر المخترع الألماني جوهانز جوتنبرج طريقة معدَّلة للطباعة، والتي بالتنقيح وزيادة الآليات ظلت تُستخدم حتى أواخر القرن العشرين. وقد اعتمدت طريقة الطباعة التي ابتكرها جوتنبرج على الأنماط المتحركة بما في ذلك القوالب المعدنية والسبائك، والطابعة الخاصة، والأحبار الزيتية؛ وقد سمحت المطبعة الجديدة بظهور عصر صناعة الكتب على نطاق واسع.
وتكمن عبقرية اختراع جوتنبرج في تقسيم النص إلى عناصره الأساسية كالحروف بجميع أشكالها، وعلامات الترقيم، والاختصارات، وذلك بناءً على كتابات العصور الوسطى التقليدية. بعدها تم صب كميات من تلك العناصر معكوسة كما في المرآة ثم تم تجميعها لتكوين الكلمات والسطور والصفحات.
وانبثاقًا من تكنولوجيا معاصر النبيذ البراغية بوادي الراين، تطورت مطبعة جوتنبرج، وهي مطبعة براغية يدوية؛ حيث يتدحرج الحبر على الأسطح المرتفعة التي تحتوي على صفوف من حروف متحركة يتم رصُّها يدويًّا تثبت في إطار خشبي يتم ضغطه بعد ذلك على الورق. وعلى مر العصور، تم تطوير تقنيات طباعة جديدة متعددة بناءً على مطبعة جوتنبرج مثل الطباعة بالأوفست.
كما أسهمت مطبعة جوتنبرج في التطور السريع للعلوم والفنون والدين؛ حيث أدت لانتشار النصوص. وبسبب انتشار المطابع أصبحت حقوق الملكية الفكرية ذات أهمية كبيرة، فأصبح من الضروري معرفة مؤلف الكتاب وفحواه ووقت إصداره.
ولأن عملية الطباعة أمَّنت وجود نفس المعلومات في نفس الصفحات في جميع النسخ، أصبح ترقيم الصفحات، وقوائم المحتويات، والفهارس من الأمور المتداولة. كما تغيرت طريقة القراءة أيضًا من القراءة الشفهية للقراءة الصامتة، مما أدى بدوره إلى انخفاض معدلات الأمية وتطوير التعليم. وعلى الرغم من أن الكتب الأولى كانت مطبوعة باللغة اللاتينية، فقد ظهرت بعد ذلك نفس الكتب بلغات عديدة مما أدى إلى انحدار هيمنة اللغة اللاتينية.
واقترح آينشتاين تأثيرًا آخر للطباعة في التفكير العلمي، وذلك من خلال المردود أو النقد. فقبل الطباعة لم تكن هناك فرصة لنشر الآراء، ولكن بعد ظهور الطباعة تم نشر الملاحظات فوصل المردود للمؤلف وللمجتمع العلمي. وبذلك تداولت المعرفة وتطورت إلى الأصلح.
لذلك، فإنه من الواضح أن ظهور المطابع قد ساهم في ثورة معلوماتية تضاهي الثورة التي يحدثها الإنترنت الآن.
المراجع
ideafinder.com
inventors.about.com
*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد شتاء2011.