لطالما كانت فكرة الحياة تحت سطح الماء بين الكائنات البحرية من أحلام طفولتي. إلا أنني عندما حاولت كتم أنفاسي تحت الماء، لم أستطع البقاء لمدة أكثر من عشر ثوانٍ، كان علي بعدها السباحة نحو سطح سريعًا قبل أن أختنق. السبب في ذلك هو أننا عندما نقوم بكتم أنفاسنا، فإن ضربات قلبنا تبطئ، وتتقلص الأوعية الدموية، ويتسبب ارتفاع الضغط في امتلاء الأوعية الدموية في الرئتين بمزيد من الدم؛ وفي الحالات القصوى، تتمزق الأوعية الدموية مما يؤدي إلى الموت.
تحدث الأعراض السالف ذكرها لأي شخص طبيعي، ولكنها لا تحدث لشعب الباجاو. الباجاو هم مجموعة من غجر البحر يعيشون منذ أكثر من ألف عام في بيوت مقامة على زوارق خشبية صغيرة تطفو فوق المياه في إندونيسيا وماليزيا والفلبين. يقضي شعب الباجاو حياتهم بأكملها في البحر، كما يمكنهم البقاء تحت سطح الماء حتى 13 دقيقة، ويغطسون لعمق يصل إلى 200 قدم تحت سطح الماء (نحو 61 مترًا) دون الاستعانة بمعدات الغوص التقليدية؛ لاصطياد الأسماك؛ أو للبحث عن العناصر الطبيعية التي يمكن استخدامها في حرفهم.
كشفت الدراسات أن موهبة الغوص الحر التي يتمتع بها شعب الباجاو لم تكن نتيجة الممارسة، ولكن بسبب صفة وراثية تطورت على مر السنين. وقد نشرت الدكتورة ميليسا إيلاردو من مركز علم الجينات الجغرافية (GeoGenetics) بجامعة كوبنهاجن بحثًا في الدورية العلمية «سيل» (Cell) يؤكد حدوث طفرة في الحمض النووي نتج عنها ازدياد في حجم الطحال؛ حيث منحت تلك الطفرة شعب الباجاو صفة وراثية تساعدهم على التكيف مع ظروف نقص الأكسجين.
استخدمت إيلاردو وفريقها في الدراسة جهازًا للموجات فوق الصوتية لقياس حجم الطحال في ثلاثة وأربعين شخصًا من قبيلة الباجاو وثلاثة وثلاثين شخصًا من القبائل المجاورة لها. فأظهرت النتائج أن حجم الطحال لشخص من الباجاو أكبر بنسبة 50٪ من حجم طحال الأشخاص في القبائل المجاورة. والطحال هو مخزن كرات الدم الحمراء المشبعة بالأكسجين في الجسم؛ فعند انقباضه، يمنح الجسم دفعة من الأكسجين.
افترضت إيلاردو أن الانتقاء الطبيعي قد ساعد شعب الباجاو الذين عاشوا في المنطقة منذ ألف عام على تطوير بعض الصفات الوراثية. وكشفت الاختبارات الجينية أن بعض أنواع الجينات شائعة بين شعب الباجاو أكثر من معدلها الطبيعي، مثل جين PDE10A المرتبط بارتفاع معدلات هرمونات الغدة الدرقية؛ مما يتسبب في نمو حجم الطحال. كذلك جين BDKRB2 ، الذي يؤثر في انقباض الأوعية الدموية في الأطراف، ومن ثم، التحكم في كميات الأكسجين التي تصل إلى المخ والقلب والرئتين.
وعلى الرغم من أن الأمر يبدو رائعًا، فإن حياة غجر البحر مهددة بشدة. فقد أجبر عديد من البرامج الحكومية كثيرًا منهم على النزوح إلى الشاطئ، كما أصبح من الصعب الحفاظ على منازلهم. فبيوت الباجاو مصنوعة من أخشاب الأشجار الخفيفة؛ ولأن هذه الأشجار مهددة بالانقراض الآن، فقد اضطروا إلى استخدام أشجار ذات أخشاب أثقل وزنًا تحتاج إلى محركات باهظة الثمن. نتيجة لذلك، فإنهم ينزحون إلى البر؛ إلا أن بعضهم ما زالوا يبنون البيوت على أعمدة خشبية للحفاظ على علاقتهم بالبحر.
المراجع
bbc.com
britannica.com
economist.com
news.com.au
news.nationalgeographic.com
popsci.com
theatlantic.com
theguardian.com