عندما حملت طفلتي بين ذراعيَّ لأول مرة، أقسمت أن أكرس حياتي لإسعادها؛ فكنت متأكدة تمام التأكيد أنني سأفعل المستحيل من أجلها. كنت على يقين أن مقدار الحب الموجود بقلبي سيمكنني من مواجهة أي تحدٍّ من تحديات الأمومة؛ فقد كنت على استعداد للتضحية بكل دقيقة من حياتي لتشعر بالأمان والسعادة، وشعرت أنني سأفعل ذلك بكل حب وبدون تردد.
ولكن في واقع الأمر، لم أكن أدرك أن تلك التضحية ستعني بقائي مستيقظة لعدة أيام، وأن قلة النوم المزمنة التي سأعاني منها ستحول ثقتي وعزيمتي القويتين إلى يأس. وهذه المشكلة تواجه العديد من الآباء والأمهات الجدد الذين يعانون من قلة النوم التي تصحب مولودًا حديثًا دائم اليقظة.
بينما يحصل كثير من الآباء والأمهات على قسط أفضل من الراحة عندما يقترب طفلهم من شهره الثالث أو الرابع ويبدأ في النوم لفترات أطول، فبالنسبة لبعض الآباء والأمهات غير المحظوظين مثلي، تبدأ مشكلة النوم لدى الطفل في تلك المرحلة. فعوضًا عن النوم خلال الليل والخلود إلى النوم بسهولة نوعًا ما، يختبر بعض الأطفال اضطرابات أكثر كلما مرت الأشهر؛ فيستيقظون كل ساعة أو أقل، ويستغرقون وقتًا أطول ومجهودًا أكبر للخلود إلى النوم مجددًا في كل مرة.
فلا تجدي مع هؤلاء الأطفال عادات النوم الباعثة على الاسترخاء، ولا الأسرَّة الهزازة باهظة الثمن، ولا الماصَّات أو التربيت الخفيف، ولا الجرعات الإضافية من اللبن أو مشروبات الكاموميل المهدئة، أو أية نصائح أخرى يسديها آباء الأطفال غير المضطربين بحسن نية. حينها يبدأ الآباء المحرومون من النوم في تمشيط أرفف الكتب بحثًا عن أخصائي نوم؛ وهو متخصص يساعد في شرح كيفية خلود الأطفال إلى النوم خاصة خلال الليل.
وهنا يبدأ الصراع مع "معضلة نوم الأطفال الكبرى"، والتي يبدو أن المتخصصين لا يتوصلون أبدًا إلى أية نتيجة حاسمة بشأنها؛ تلك المعضلة هي الاختيار الصعب بين ترك المولود ليتعلم كيفية تهدئة نفسه حتى يخلد إلى النوم – وهذا يتضمن البكاء المستمر – وبين الذهاب للاطمئنان عليه في كل مرة يتذمر فيها أثناء فترة النوم.
فهل نترك الطفل يرقد باكيًا؟
للمتخصصين آراء متباينة حول هذا الموضوع، وغالبًا ما يدخلون في نقاشات حادة حول الطريقة المثلى لتدريب الأطفال على النوم.
فمن ناحية، هناك الدكتور الشهير ريتشارد فيربر؛ مؤسس مركز اضطرابات النوم لدى الأطفال بمستشفى الأطفال ببوسطن، وهو مدافع قوي عن ترك الأطفال يتعلمون النوم بأنفسهم. فمنذ إصدار كتابه "الحل لمشكلات نوم طفلك" عام 1985، ذاع صيته بصفته متخصص رائد - ومثير للجدل - في مجال نوم الأطفال. ومن المحتمل أن تكون قد سمعت عن طريقة فيربر لتعليم الأطفال كيفية تهدئة أنفسهم حتى يخلدون إلى النوم؛ وهي طريقة مرتبطة به ارتباطًا وثيقًا. ويطلق على تلك الطريقة ومشتقاتها "النوم بكاءً"، على الرغم من أنه يرفض تسميتها بهذا الاسم لأسباب واضحة.
باختصار، يقول فيربر أنه بإمكانك – بل ينبغي عليك – تعليم طفلك كيفية تهدئة نفسه حتى يخلد إلى النوم عندما يكون مستعدًّا جسديًّا ونفسيًّا لذلك؛ وهو غالبًا ما يكون ما بين الشهرين الخامس والسادس من العمر. فيعتقد فيربر أن ذلك هو السن المناسب الذي يمكن فيه للأطفال الاستغناء عن الرضاعة الليلية، ويمكنهم من النوم خلال الليل.
ويوصي فيربر باتباع روتين حميم وحنون للنوم ثم وضع الطفل في السرير وهو مستيقظ، ويترك الطفل – حتى لو بكى – لفترات أطول من الوقت تدريجيًّا. ويقول فيربر إن وضع الطفل وهو مستيقظ في سريره أمر ضروري جدًّا ليتعلم كيفية النوم بمفرده ولمدد طويلة؛ لأن ذلك يعلمه أن بإمكانه النوم بدون مساعدة من أحد.
كما ينصح الآباء والأمهات بالتربيت على أطفالهم وتهدئتهم بعد فترات محددة من الوقت – تتراوح في البداية عادةً ما بين خمس وعشر دقائق – ولكن دون حمل الطفل أو إرضاعه، ويطلق على ذلك الروتين اسم "الانتظار التدريجي". بعد مرور عدة أيام أو أسبوع من زيادة وقت الانتظار بالتدريج حسب النظرية، فإن معظم الأطفال يتعلمون كيفية النوم بمفردهم بعد اكتشافهم أن البكاء لا يجدي.
وقد أضاف مؤلفون وأخصائيون آخرون بعد ذلك بعض التصرفات وحذفوا تصرفات أخرى لخلق نظرياتهم الخاصة المشتقة من طريقة فيربر – البقاء في الغرفة أم لا؛ أو ظهور الوالدين للطفل أم لا؛ أو تهدئة الطفل عن طريق سماعه لصوت والديه أم لا؛ أو لمسه أم لا؛ أو زيادة المدد الزمنية تدريجيًّا بين فترات الاطمئنان على الطفل أم لا – إلا أنهم جميعًا ضد التدريب على النوم للأطفال أقل من ستة أشهر.
يصر مؤيدو تلك المدرسة على أنه من الأفضل لصحة الطفل وسعادته، وللوالدين أيضًا النوم خلال الليل؛ لأنه يجعل الأطفال أكثر انتباهًا خلال اليوم، مما يمنحهم فرصة أفضل في نمو أقوى وأسرع.
وقد أشاد كثير من الآباء والأمهات بطريقة "النوم بكاءً" وبمفعولها مع أطفالهم الذين لا ينامون، والذين أصبحوا ينامون بشكل أفضل بعد اتباعهم لطريقة الدكتور فيربر. ولكن بالنسبة للبعض الآخر، فطريقة فيربر ليست كافية بالنسبة إليهم؛ فيفضلون تطبيق طريقة أكثر حزمًا من طرق التدريب على النوم، وذلك بغلق باب الغرفة على الطفل. إلا أن معظم الأخصائيين يرفضون تلك الطريقة القاسية، بمن فيهم الدكتور فيربر، والذي أضاف في نسخة كتابه الثانية التي طبعت في عام 2006 مقدمة يوضح فيها الفرق بين طريقته والطريقة التي تشجع على غلق الباب.
أم علينا ألا ندعه يبكي؟
على الجانب الآخر، يوجد بعض الآباء والأمهات الذين لا يستطيعون تحمل بكاء أطفالهم، ويدعمهم في ذلك الأخصائيون المؤيدون لمنهج "عدم البكاء"، والذين يعتبرون أن ترك الوالدين لطفلهم يبكي حتى ولو لفترة قصيرة من الوقت عمل قاسٍ، وغير طبيعي، وخيانة للثقة التي تبنى بين الطفل والأشخاص البالغين والعالم من حوله.
يعتبر الدكتور ويليام سيرس؛ مؤسس حركة "تربية التواصل" من أكبر مؤيدي منهج عدم البكاء وأشهرهم، ويعرف بكونه "طبيب الأطفال المفضل في أمريكا". فينصح سيرس بالتواصل الجسدي المتواصل مع الطفل طوال اليوم من أجل خلق رابطة بين الطفل ووالديه، ويشجع الآباء والأمهات على إبقاء أطفالهم بجانبهم طوال الوقت سواء في أحضانهم أو بوضعهم في حاملة الأطفال، وكذلك النوم بجوارهم وإطعامهم كلما بكوا أو طلبوا ذلك.
في كتابه "دليل نوم الطفل"، أكد سيرس على اتباع منهج لتدريب الطفل على النوم يكون الطفل فيه هو محور الاهتمام، كما ينصح الآباء بالتحلي بالصبر خلال تدريب طفلهم على النوم في الوقت الذي يريده. فيشجع على النوم بجوار الطفل، وعلى هدهدته وإطعامه حتى يغفل، بالإضافة إلى طرق أخرى من التواصل الجسدي لخلق تجربة إيجابية للنوم الآن وعادات صحية للنوم فيما بعد.
كما خصص سيرس بابًا كاملاً لانتقاد طريقة "النوم بكاءً"؛ فيزعم أن ذلك يخلف عند الطفل انطباعًا سلبيًّا عن وقت النوم – بل والنوم ذاته – قد يستمر مدى الحياة، كما يجعله يفقد الثقة في دعم أسرته له. ويقرُّ مؤيدو منهج عدم البكاء أن طريقتهم قد تستغرق وقتًا طويلاً - أطول حتمًا من طريقة النوم بكاءً -ولكنهم يزعمون أنها على المدى الطويل أخف وطأة على كلٍّ من الطفل ووالديه.
اقرأ الجزء الثاني من المقال من هنا.