لنعترف أنه عندما يأتي ذكر مهنة «المعماري» فإن أذهاننا دومًا ما تتجه إلى المعماري الرجل. بل إننا للأسف ندهش عندما نعلم أن المعماري المصمم لأحد الأبنية الملفتة للنظر في الواقع امرأة. وأنني – وأنا امرأة على قدر جيد من التعليم والثقافة – لأشعر بالخجل لوقوعي في مثل هذا الخطأ المخزي؛ ولذلك، فإني أكتب هذا المقال في محاولة متواضعة للغاية لتصحيح هذا الخطأ من جانبي.
الواقع أنه منذ قرن ونصف القرن والنساء يثبتن شغفهن وموهبتهن في مجالي التصميم والعمارة، وهما مجالان يسيطر عليهما الرجال. وللأسف، فإن النساء ما زلن ونحن في القرن الواحد والعشرين يواجهن تحديات كبرى في مهنة العمارة؛ حيث يستمر تأثير التمييز الجنسي فيها. فالواقع أن عدد النساء الحاصلات على درجات علمية في العمارة يفوق عدد أقرانهن الرجال في كثير من الدول اليوم. ومع ذلك، فهذا الوضع لا يمتد خارج حدود الجامعات، فلا ينعكس في الحياة العملية؛ حيث يقل بشكل ملحوظ تمثيل المرأة في تلك المهنة على جميع المستويات تقريبًا.
تقول أليسون أريف في مقال حديث لها بجريدة نيويورك تايمز: «لتخيل حالة الفرص المتاحة للمرأة في مجال العمارة، دعونا ننظر إلى الشركة الحاصلة على العمليات الأعلى مستوى في العالم الآن؛ فسنجد مديرتين من النساء فقط». ولا يوجد تفسير وحيد، أو بسيط، لتلك الحالة؛ كما لا يظهر لها حل سهل. فحتى اليوم تستمر الأفكار الخاطئة مثل الافتراض بأن النساء يتركن العمل من أجل الزواج، أو أنهن لا يستطعن فرض سيطرهن في مواقع العمل، أو حتى أن قدراتهن الابتكارية ليست على المستوى؛ مما يؤدي إلى عدم المساواة في أجورهن، وعدم تقديرهن، وحرمانهن من الفرص بشكل متكافئ.
ومع ذلك، فهناك معماريات تركن أثرًا عميقًا في تطور العمارة لتصل إلى ما هي عليه الآن. فعلى الرغم من المصاعب والتحديات، نجحت معماريات متميزات في حفر أسمائهن في تاريخ العمارة؛ ولعل أشهرهن زها حديد التي رحلت عن عالمنا مؤخرًا. ولكن، دعونا أولًا نتذكر بعض المعماريات الأخريات اللاتي ساهمن بشكل كبير في تطور العمارة.
كانت صوفيا هايدن (1868-1953) المعمارية الأمريكية أول امرأة تحصل على درجة علمية في العمارة من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا. عرفت بتصميماتها الجميلة التي شملت عناصر من النهضة الإيطالية، واستخدمت فيها الأجنحة البارزة والمناور. وفي سن الواحدة والعشرين فازت بمسابقة لتصميم «مبنى المرأة» في المعرض الكولومبي العالمي لعام 1893، وتنفيذه في شيكاغو. وعلى الرغم من أن عملية البناء لم تكن سهلة، فإن المبنى حاز جائزة بفضل «رقة الطراز، والتذوق الفني، والإبداع، وأناقة التصميم الداخلي».
تخرجت المعمارية الأمريكية ماريون ماهوني (1871-1961) أيضًا في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا، وهي فنانة وإحدى أوليات المعماريات الحاصلات على ترخيص لممارسة المهنة في العالم. وصفها الكاتب راينر بانهام بأنها «أعظم مصمم معماري في جيلها»؛ حيث ساهمت في تطوير مدرسة البراري ونشرها، وهي المدرسة التي أحدثت ثورة في العمارة الأمريكية. وكان لسعيها لتحقيق مبادئ الديمقراطية في العمارة والتخطيط المجتمعي في أستراليا، وبالأخص في كانبرا وكاستلكراج، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، أثر كبير. وعلى مدار حياتها حافظت على موقفها المعلن فيما يتعلق بالأمور البيئية والتخطيطية.
على الرغم من أن إيلين جراي (1878-1976) تم تجاهلها خلال معظم تاريخها المهني، فإنها معروفة الآن لكونها أحد أهم مصممي الأثاث والمعماريين في بدايات القرن العشرين، ولكونها أكثر امرأة أثرت في تلك المجالات. فقد ألهمت أعمالها كلًّا من المدرسة العصرية ومدرسة الآرت-ديكو؛ حيث أضفت لمسة فاخرة ومترفة على الأشكال الهندسية والخامات المصنعة المستخدمة من قبل مصممي الطراز الدولي. ومن أهم أعمالها المنزل المعروف برقمE-1027 ، والذي عملت على تصميمه مع جون بادوفيشي على منحدر يطل على البحر المتوسط في روكبرون بالقرب من موناكو. وقد زكت فيما بعد كثيرًا من الأفكار التي طورت في هذا العمل؛ حيث واجهت تحدي تصميم منزل ضيق للغاية والعيش فيه، فطورت أدوات موفرة للأماكن، مثل الكرسي المطوي على شكل حرف S.
كانت لينا بو باردي (1914-1992) البرازيلية إيطالية المولد معمارية عصرية، ومصممة صناعية، ومحافظة تاريخية، وصحفية، وناشطة؛ فقد تحدت التصنيفات التقليدية. قامت بتصميم هياكل تمييزية جريئة دمجت ما بين العصرية والشعبية. وفي عام 1950، أسست مجلة «هابيتات»، وفي عام 1951، قامت بتصميم منزلها الذي عرف باسم «المنزل الزجاجي» في ساو باولو؛ ويعدُّ المنزل أحد أعمال نقل النموذجية التابعة لمدرسة المذهب العقلي الفنية في البرازيل. ولاحقًا، في عام 1957، شرعت في بناء المقر الجديد لمتحف الفن في ساو باولو؛ حيث علقت المبنى فوق مربع طول ضلعه 70 مترًا. في السلفادور استمرت بو باردي في تصميم المشروعات الرمزية؛ بما في ذلك: إحياء مجمع «سولار دو أونهاو» في عام 1940، ومنزل «شام-شام» في عام 1964، ومصنع «سيسك بومبيا» في عام 1977، ومسرح «تياترو أوفيشينا» في عام 1984.
تخرجت نورما سكلاريك (1928-2012) المعمارية الأمريكية ذات الأصول الإفريقية في جامعة كولومبيا. وبالرغم من أن جميع الظروف بدت كأنها تعمل ضدها، فإنها نجحت في أن تكون أول امرأة أمريكية ذات أصل إفريقي تنتخب زميلًا في المعهد الأمريكي للعمارة، وكذلك أولى النساء الأمريكيات ذوات الأصل الإفريقي، التي تحصل على رخصة ممارسة العمارة. وقد شاركت في تأسيس أكبر شركة عمارة مكونة فقط من السيدات في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي شركة سكلاريك، وسيجال، ودياموند. عرفت بمشروعاتها الإنشائية والتنفيذية الممتازة؛ حيث أكملت هياكل ضخمة في الموعد وفي حدود الميزانية؛ بما في ذلك: مبنى الركاب رقم واحد في مطار لوس أنجلوس، وسفارة الولايات المتحدة الأمريكية في طوكيو، ومبنى فوكس بلازا في سان فرانسيسكو.
لقد تغيرت الأمور كثيرًا بالنسبة إلى النساء في جميع المهن، بما في ذلك تلك التي عادة ما يسيطر عليها الرجال. يرجع الفضل في ذلك إلى نساء شجاعات حاربن بضراوة ضد التمييز والتجاهل. ومع ذلك، فلا يزال الطريق أمامنا طويلًا؛ وأنا أومن أن الأمر يرجع إلينا نحن النساء للتأكد من توجيه العالم نحو مسار العدالة والمساواة إلى المستقبل. فلا أستطيع أن أفكر في مقولة أختم بها هذا المقال أفضل من مقولة نورما سكلاريك: «في العمارة، لم يكن لدي أي قدوة أحتذي بها؛ ولكنني أسعد اليوم لكوني قدوة لأخريات».
المراجع