لطالما كنت من مؤيدي فكرة العمل من المنزل؛ وذلك لأنني أرى أنه يوفر لي فرصة للتركيز بشكل أفضل بدون التشتيت الذي يتسبب فيه وجود عدد من الزملاء في مكان واحد محدود. ولكن إمكانية العمل من المنزل للأسف ليست متاحة دائمًا في كل المؤسسات؛ ومع ذلك أظهرت الأزمة الحالية أن كثيرين بإمكانهم ذلك، بل أن البعض قد يؤدي أفضل من المعتاد.
قد أفضل العمل من المنزل تحت أي ظرف، ولكنه ليس أمرًا سهلًا؛ بالأخص في ظل جائحة كوفيد-19. فعلى كثير من الآباء والأمهات تحقيق التوازن ما بين متطلبات عملهم وما بين متطلبات المنزل؛ ناهيك عن تعليم الأبناء، وهو في حد ذاته عمل كامل الوقت، وذلك بالإضافة إلى الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية للجميع في كل أوقات اليوم، وطوال أيام الأسبوع، لأسابيع متتالية حتى نهاية الأزمة.
قد يكون تركيزي في هذا المقال على الشق المتعلق بالعمل، ولكنني أظن أن معظم الأفكار المطروحة، وإن لم تكن كلها، عن الحفاظ على الإيجابية والإنتاجية والتواصل في أثناء العمل من المنزل، تنطبق أيضًا على جوانب أخرى من أداء أي مهمة من المنزل بينما نضطر لذلك.
مكافأة متخفية
بالنسبة لكثير منا، بالأخص هنا في مصر وفي مثلها من الأماكن المزدحمة، حيث يشكل المرور والانتقال من مكان لمكان تحديًّا يوميًّا، فإن فرصة تفادي ساعات المواصلات الطويلة يوميًّا أمر يجب الاحتفاء به. ويمكن استغلال هذا الوقت الذي نوفره في أمور أفضل بكثير؛ قد يتصدر النوم هذه القائمة. فالواقع أننا عادة لا ننام بما يكفي بسبب ضغوطات الحياة الحديثة اليومية؛ لذلك فإن إضافة ولو ساعة واحدة لساعات النوم اليومية هو خيار صحي علينا الاستفادة منه إن أمكن. وقد بدأت بالنوم لأنه إذا أردنا أن نحافظ على صحتنا، وإنتاجيتنا، وسلامتنا العقلية والنفسية، فإن الأمر يستلزم منا الحرص الشديد على الانضباط، والحفاظ على روتين يومي منظم بشكل جيد.
- ضع تصورًا شاملًا
إذا لم يكن لدينا تصورًا واضحًا لكل ما نحتاج إنجازه بالنسبة للأسرة، والمنزل، والعمل، سنجد أنفسنا في فوضى عارمة. لذا علينا أن نضع مخططًا لجميع مسئولياتنا، ومن ثم تقسيمها إلى مهام محددة يفضل أن يكون لها جدولًا زمنيًّا ومواعيد نهائية معقولة لتنفيذها. فعلينا البدء بخطة شهرية، ومن ثم تقسيمها لخطط أسبوعية، والتي بالتالي تقسم لقائمة مهام يومية.
ولكن تذكر أن تكون منطقيًّا؛ فلا تزد في طموحاتك، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإحباط إذا لم تحقق، وهو ما قد يحدث بسهولة في ظل هذه الظروف المرهقة. وتأكد أن تشمل خططك وقتًا لكل شيء؛ ليس فقط المهام المنزلية والعملية، ولكن أيضًا وقتًا للاستمتاع مع الأسرة والأصدقاء، سواء مع هؤلاء الذين يشاركونك المنزل أو مع من هم خارج المنزل عن طريق التواصل الافتراضي. كذلك تحتاج وقتًا لنفسك؛ للراحة، والاسترخاء، وعمل ما يمتعك من أنشطة وهوايات لتصفية ذهنك ورفع معنوياتك.
- جهز المكان
بما أنه عليك أداء أدوار مختلفة في نفس الحيز – منزلك – سيساعدك أن تخصص أماكن محددة لأداء كل دور. وسيكون أفضل إذا كان من الممكن عزل تلك المناطق عن باقي المنزل أثناء استخدامها لأداء تلك الأدوار؛ أي يكون أفضل لو كانت غرفًا يمكن غلقها أثناء ساعات العمل أو الدراسة. وإذا لم يكن هذا ممكنًا، وهو الأرجح لغالبية العاملين، فعليك التحدث مع أفراد أسرتك والاتفاق على حدود افتراضية مكانية وزمنية على الجميع احترامها لضمان أداء أدوارنا المختلفة بشكل جيد. أثناء تجهيزك لمكان عملك في المنزل، لستُ بحاجة للفت انتباهك لحاجتك لاختيار كرسي مناسب لقضاء ساعات منتجة من العمل؛ بحيث يساعدك على تحمل تلك الساعات والتركيز أثنائها.
- هيئ الجو العام
مثلما تحتاج لروتين يومي منظم للنوم والعادات الصحية السليمة من تناول الوجبات والتريض، فأنت في حاجة لتهيئة نفسك للدور الذي ستقوم به. بالنسبة للعمل، عليك ارتداء ملابس ملائمة للعمل؛ ليس بالضرورة أن تكون ملابس رسمية ولكن ألا تكون ملابس منزلية، لأن ذلك لا يهيئك لفكرة أنك الآن في العمل. بعد ان ترتدي ملابس العمل، استعد للعمل مثلما تفعل في أي يوم عادي. بالطبع ليس بالضرورة أن تحاكي نصف ساعة من المواصلات، ولكن يمكنك مثلًا تحضير قهوة الصباح وحملها معك بينما تتوجه إلى «مكتبك»، ومن ثم أغلق الباب، حتى ولو كان افتراضيًّا.
وعلى أسرتك أن تكون على دراية بأنك في هذا الوقت بالعمل؛ فلا يجب مقاطعتك بأي شكل وتفادي الأصوات المزعجة بالقرب من «مكتبك». قد يفيدك أن تستخدم السماعات لتقليل فرص التشتيت قدر المستطاع. ومثلما هو الحال في مكتبك بمكان العمل، من المهم الحفاظ على ترتيب المكتب، وذلك لمساعدتك على التركيز وعدم التشويش على أفكارك. كذلك تحتاج لفترات راحة قصيرة مدتها خمس إلى عشر دقائق تقريبًا كل ساعة أو ساعتين؛ ولكن انتبه ألا تتجول بعيدًا فتخرج عن أجواء العمل!
- حافظ على مسارك
ستكون هناك أيام صعبة لسبب أو آخر؛ فعليك ألا تترك نفسك تستسلم. تذكر أنك لست في إجازة؛ فعليك أن تحافظ على انضباطك، وإلا ستجد نفسك تسقط في دوامة من الكسل، والفوضى، والإحباط. وبالمثل، فكونك تعمل من المنزل لا يعني أن تنسى أن تتوقف عن العمل عند انتهاء الوقت المحدد له، وأن تخرج من «مكتبك» بجسدك وعقلك، لتعود إلى منزلك وأسرتك ووقتك الخاص؛ ولا تعود إلى العمل حتى يحين الموعد المحدد له.
- ابقَ على تواصل
العمل بعيدًا عن المكتب التقليدي يمكن أن يساعدك، ليس فقط على التركيز بشكل أفضل بدون إلهاءات مكان العمل، ولكن أيضًا على تصفية ذهنك من كثير من الأصوات والضغوطات. وهذا يساعدك على استعادة حماسك لعملك ولإيجاد معاني وأهداف جديدة له؛ كما قد تأتيك أفكار مبتكرة وملهمة أكثر حول عملك والغرض منه. إلا أن هذا لا يعني أن تنفصل عن زملائك في العمل، وبالأخص لو كنت جزءًا من فريق عمل.
ومجددًا فإن وضع روتين منظم للتواصل مع زملائك بشكل دوري أمر غاية في الأهمية. فعلى فرق العمل الاتفاق على جدول محدد للتواصل من خلال الاجتماعات الافتراضية عبر شبكة الإنترنت، ليس فقط لمتابعة سير الأعمال ومناقشة الأمور العملية والابتكارية المتعلقة بإتمام العمل، وإنما أيضًا للتواصل الشخصي وترسيخ العلاقات الإنسانية بين أفراد الفريق الواحد. فمن المهم أن يحافظ العاملون معًا على روح الفريق، والتوافق معًا على أهداف عملهم المشترك، والتخطيط سويًا على كيفية استكمال هذا العمل بشكل منتظم وإن كان عن بعد.
آخر نصيحة أود أن أقدمها هي أهمية ألا نصعب الأمور على أنفسنا وأن نبحث دائمًا عن الجانب الإيجابي في أي موقف. هذه أوقات صعبة بالنسبة للجميع، فهناك كثير من الشك، والقلق، والضغط؛ وعلينا جميعًا أن ندرك ذلك وأن نتفهم أننا جميعًا نشعر أو سنشعر هكذا في وقت أو آخر، ولكن يجب علينا ألا ندع تلك المشاعر تغمرنا. فعلينا أن نبحث عن معنى ما يحدث وأن نتعلم منه؛ علينا أن نتأمل وأن نسعى للمعرفة التي ستساعدنا على السير قدمًا كأفراد، ومجتمعات، وأوطان، وكعالم واحد.