قد يصعب فهم حجم الوضع الحقيقي لبلدان العالم نتيجة الغلق المطبق في سبيل مواجهة جائحة كوفيد-19، إلى أن تصادف صورًا لأماكن تكون في الظروف العادية أكثر الوجهات ازدحامًا. وبينما تشاهد الشوارع الخالية، والمصانع والمحلات التجارية المغلقة، ويسود الصمت كل مكان؛ تتبادر إلى ذهنك فكرة: كيف أصبح هذا الكوكب الصاخب محرومًا للغاية بعد كل هذه السنوات من الإنتاجية والإنجازات؟ مع ذلك، فإن الطبيعة لا تتفق معك فيما تشعر به من حزن وألم.
في بداية الغلق، لم يكن واضحًا كيف تغيرت البيئة منذ تفشي فيروس كورونا المستجد؛ ولكن مع استمراره، ظهر تغييرًا إيجابيًا في كل شيء حولنا. فتبين أن هذه فرصة ذهبية للطبيعة كي تتنفس الصعداء بعد فترة طويلة من ضغط متزايد للوجود البشري.
بعد إغلاق المصانع، بات توقف أحزمة التلوث واضحًا في المدن الصناعية في غضون أيام من الإغلاق؛ فقد انخفضت انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين، وهو أحد أكبر ملوثات الهواء المرتبط بإنتاج المصانع والمركبات. وكذلك توقفت، بل وتحسنت المؤشرات البيئية الرئيسية التي كانت قد تدهورت بشكل مطرد لأكثر من نصف قرن.
أفادت بعض التقارير أن الصين وإيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها عشرات الدول تشهد انخفاضًا مؤقتًا في ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين، بنسبة تصل إلى 40٪؛ وهو ما يُعد تحسنًا هائلًا في جودة الهواء ذات تأثير إيجابي في الحد من مخاطر النوبات القلبية وأمراض الرئة. وعلاوة على هذا، أضحت قنوات مدينة البندقية أكثر وضوحًا، وعاودت الأسماك الصغيرة الظهور في المجاري المائية.
كذلك انخفضت مستويات الكربون؛ مما يعني تنفس هواء أكثر صحة، حتى ولو لفترة قصيرة. وفي الصين التي تُعد أكبر مصدر للكربون في العالم، انخفضت الانبعاثات بنحو 18٪ بين أوائل شهر فبراير ومنتصف مارس لعام 2020. ومن المتوقع أيضًا أن تشهد أوروبا انخفاضًا بنحو 390 مليون طن. الخبر السار أن هذه التغييرات، وإن كانت لفترة قصيرة، تجعلنا نتوقع أن تشهد الأرض أول انخفاض في الانبعاثات العالمية منذ الأزمة المالية للفترة 2008–2009.
ومن هنا نطرح سؤالًا آخر: هل يمكن أن ينهض العالم أنقى بعد هذه الجائحة؟ علينا أن نفهم أولاً الفارق بين خفض الانبعاثات وبين المستويات الفعلية لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. فرغم التباطؤ الاقتصادي، لا تزال الغازات الدفيئة تنبعث؛ وحسبما أفادت أوكسانا تاراسوفا، رئيس قسم أبحاث البيئة الجوية في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن «مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لا تزال مرتفعة، ومن غير المرجح أن يكون للانبعاثات المخفضة في غضون عام واحد على هذا النطاق تأثير على المستويات العالمية لثاني أكسيد الكربون».
مثل هذه التجربة تقدم لنا لمحة عن مدى سرعة تعافي الطبيعة؛ إلا أن التكلفة باهظة مع فقد الآلاف من الأشخاص وظائفهم، فلا يصبح هذا حلًا على المدى الطويل. يجب على الأفراد والحكومات وضع استراتيجية وتغيير نظامي فيما يتعلق بالبنية التحتية للطاقة والانبعاثات التي ستصبح أكثر شراسة لاحقًا إذا حافظنا على العقلية ذاتها في استخدامات الطاقة. فخلاصة القول، إننا جزء من هذا الكوكب، وكل عمل نقوم به يؤثر عليه. ولزامًا علينا وضع إستراتيجية صارمة للتعافي؛ تتضمن تحولًا في سلوكيات البشر وعاداتهم تجاه الطبيعة، من أجل يوم جديد وغد أفضل.
المراجع
euronews.com
nytimes.com
theguardian.com
Image by rawpixel.com