بلا شك المخ البشري هو أكثر أعضاء الجسم تعقيدًا؛ فهو المتحكم النهائي في كل العمليات البيولوجية بالجسم، وهذا بالإضافة إلى كونه مسئولًا عن جمع المعلومات وتدفق الأفكار. وللعلم تاريخ طويل في دراسة المخ ومحاولة فهم أسراره؛ إلا أن العلم لم يتمكن من إحداث قفزة علمية حقيقية إلا في ستينيات القرن الماضي، عندما خطى العلماء الخطوة الأولى نحو قراءة الأفكار.
في عام 1968، قدم كارل فرانك فكرة مفادها أنه بإمكان العلم فهم ما يجري في المخ عن طريق الاتصال العقلي-الآلي. فأصبح معروفًا الآن أن المخ يحتوي على الأعصاب، والتي لديها القدرة على إنشاء إشارات كهربية رقمية (1 أو 0) من خلال عملية تعرف بإمكانات العمل؛ وهي طريقة مشابهة جدًا لطريقة تحليل الكمبيوتر للبيانات. وهذا يعني أنه بإمكان الكمبيوتر فهم بعض من أفكار المخ، والعكس صحيح.
وفقًا لهذا، كانت فكرة أن الكمبيوتر والمخ باستطاعتهما فهم بعضهما البعض الأساس العلمي الذي قام عليه علم قراءة الأفكار. ولنكن أكثر تحديدًا، اعتمدت الآلية العلمية التي اتبعها العلماء بشكلٍ أساسي على التجسس على الخلايا العصبية ومتابعة الإشارات التي تنشئها تلك الخلايا عندما يقوم الجسد بعمل إجراء معين. فعلى سبيل المثال، إذا أنشأت الأعصاب إشارة معينة في نفس الوقت الذي يغلق فيه الشخص عينه، يلاحظ العلماء أن تلك الإشارة مرتبطة بإغلاق الأعين؛ وتبعًا لنفس النهج، بدأ العلماء بفهم لغة المخ.
في تسعينيات القرن الماضي، اخترع ريتشارد نورمان نظام صغير جدًا في حجم المللي مترات لديه القدرة على تتبع عشرات الخلايا العصبية، والتجسس على سلوكها، ورؤية الإشارات التي تنشئها. لم تكن رؤية عشرات الأعصاب فعّالة كثيرًا؛ حيث أن المخ لديه أكثر من مائة مليار عصب، ولكن كان هذا إنجازًا علميًّا هائلًا آنذاك. انتقالًا إلى القرن الحادي والعشرون، وبالأخص عام 2006، أجرى البروفيسور لي هوتشبرغ تجربة ثورية وفريدة؛ حيث اخترع نظام صغير ووضعه بمخ متطوع، سامحًا له بتحريك فأرة الكمبيوتر لرسم دائرة باستخدام مخه فقط. لقد كانت معجزة علمية حقيقية؛ فبمجرد التفكير في رسم دائرة في عقله، استطاع المتطوع رسمها بدون استخدام يديه.
وبعد ست سنوات، وصل البروفيسور لي هوتشبرغ إلى إنجازٍ علميّ آخر، عندما جعل امرأة مشلولة بالكامل تشرب بنفسها. فعن طريق إيصال مخها بذراع آلي متصل بالكمبيوتر يقرأ الكمبيوتر إشاراتها العصبية، ويحللها، فيلاحظ أنها تفكر في تقريب الكوب من فمها لتشرب، ومن ثم يعطي أوامر للذراع الآلي لإيصال الكوب إلى فمها.
مع الوقت، يثبت العلم قدرته على فهم المخ البشري المعقد. وكلما زاد فهمنا للمخ، ازدادت قدرتنا على محاكاة قدراته، لمنفعة البشرية.
المراجع
exponential.singularityu.org
nature.com
researchgate.net
Image by rawpixel.com