لا يعد النظر إلى الطبيعة حولنا وتأملها طلبًا للعلاج والاستشفاء أمرًا مستحدثًا؛ فالبشرية تفعل ذلك منذ عشرات آلاف السنين. وعلى الرغم من تطور علم الصيدلة الدوائية وابتعاده كثيرًا عن الطرق الطبيعية والعشوائية في التداوي، فستظل الطبيعة دائمًا مصدرًا رئيسيًّا لمكونات أولية وضرورية في صناعة الدواء.
هناك سلالات هائلة العدد من الكائنات التي نتشارك معها في الكوكب، وتنتج عددًا خرافيًّا من المركبات التي تعد مادة خامًا لما لا يعد ولا يحصى من الفرص المرجحة في صناعة علاج أو عقار ما. وعلى الرغم من اقتناعنا بأن الحفاظ على التنوع البيولوجي من أهم العناصر المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فما زالت البشرية مع كل بناء خرساني يقوم على تجريف الأرض وإفساد المأوى الطبيعي للكائنات الحية، تفقد فرصة محتملة لدواء قد لا نستطيع صنعه في المعمل.
إن الحفاظ على التنوع البيولوجي يصب في مصلحة الإنسان، ولا يوجد دليل أصدق على ذلك من اكتشاف الدواء وصناعته. فقد كان، وسيظل دائمًا، اكتشاف العقاقير من أصناف برية أحد أهم المؤثرات في معظم المشكلات المتعلقة بالعناية الصحية إن لم يكن جميعها، والوقاية من الأمراض، والتمتع بصحة جيدة. اقرأ أيضًا مقال الخلايا الجذعية: مستقبل الدواء.
نماذج أدوية من الطبيعة
اُشتقت مركبات عديدة من العقاقير الطبيعية، ومنها: دواء الديجيتالز لتقوية القلب من نبات كف الثعلب Foxglove؛ وعقّار أرجوتامين لعلاج الشقيقة من نبات الجاودار؛ ومادة الكينين شبه القلوية لعلاج المرارة من شجر الكينيا؛ بالإضافة إلى عديد من المضادات الحيوية، ومضادات الفطريات، وعلاج السرطان، والتي استخرجت من مصادر بكتيرية، وفطرية، وحيوانية، ونباتية.
ويستخدم العالم الآن الكواشف أو المركبات الكيميائية، وأيًّا كان مصدرها طبيعيًّا أم مخلقًا، فهي في طريقها إلى النفاد. ويعد إهدار مصادر علم البيئة، والتصنيف، ودراسات أهمية الكائنات الحية طبيًّا، خسارة فادحة للبشرية. ولهذا، يجب أن تعتمد كل برامج اكتشاف الدواء في الأبحاث المستقبلية، سواء كان طبيعيًّا أو مخلقًا على مفهوم الاستدامة؛ مما يعني أن التنوع البيولوجي ضرورة لمستقبل اكتشاف الدواء. قد تهتم أيضًا بقراءة مقال الألوان والعقاقير الطبية.
ضرورة الاهتمام بالتنوع البيولوجي
لسوء الحظ، تدق أجراس الخطر للتنبيه عن فقدٍ حادٍّ في التنوع البيولوجي؛ إذ زادت معدلات الانقراض بشدة على السابق. ورغم الاكتشاف المستمر عن فصائل جديدة، فإن معدل الانقراض يتفوق بنحو ألف ضعف. ويغير هذا الفقد المطَّرِد في التنوع البيولوجي، والنظام البيئي، ويحد من القدرة على توفير الخدمات الصحية للبشر، وبالأخص في مجال الدواء؛ إذ تفقد البشرية علاجًا فعالًا كل عامين، نتيجة لانقراض بعض الميكروبات، والنباتات، والفطريات، والحيوانات. ويهدد هذا الفقد المستمر البحث البيولوجي، ومن ثم نجاة الجنس البشري. اقرأ مقال التنوع الحيوي على حافة الهاوية: لمحة تاريخية.
إن الحفاظ على التنوع البيولوجي في بيئته الطبيعية، ومواطنه الأصلية، مع إتاحة تعريفه للناس كما هو، وعدم اقتصار الأمر على المتاحف وحدائق الحيوان فقط – أمر مهم ومؤثر، ويسهم في رفع الوعي تجاه مفهوم الحياة. ويجب علينا احترام شركائنا وجيراننا على الأرض ذاتها؛ من أجل تطوير عدد من الوسائل لتحسين صحة الإنسان وزيادة متوسط عمره.
المراجع
ncbi.nlm.nih.gov
researchgate.net
semanticscholar.org
Medical photo created by freepik - www.freepik.com