نادت الأم ابنها ذا الأحد عشر ربيعًا من بين أقرانه في فريق كرة القدم قبل بداية المباراة، وأشارت له إشارة ذات مغزى على ذراعها. فأخرج من حقيبته جهازًا صغيرًا يشبه الهاتف المحمول ليمرره بخفة على شريحة بيضاء دائرية في ذراعه، ويشير لأمه أن تطمئن، ويخبرها بصوتٍ خافت: 146، لا تقلقي يا أمي.
تنفست الأم الصعداء، وحمدت الله على التقنيات الحديثة التي ساهمت كثيرًا في علاج طفلها السكري، ومنها ذلك «المجس» الذي رحم صغيرها من وخز الجهاز التقليدي لقياس نسبة الجلوكوز في الدم.
البداية.. الأعراض
تذكرت ذلك اليوم منذ ست سنوات حين أخبرها الطبيب بإصابة صغيرها بالسكري. كانت قد رأت من الأعراض الطارئة على طفلها ما جعلها ترتاب؛ إذ كان يشرب كميات كبيرة من الماء، ويذهب تكرارًا إلى الحمام ليلًا ونهارًا. وفي حين كان يستهلك كثير من الأطعمة، خاصة تلك ذات نسبة السكر العالية، كان يفقد كثيرًا من الوزن. وأخيرًا، كان سريع النهجان دون مجهود يذكر. دامت تلك الأعراض نحو 10 أيام، ولكنها كانت كفيلة أن ترفع نسبة الأسيتون في الدم، أو ما يُسمى بحموضة الدم. قدَّر الله أن تأخذه إلى المشفى قبل حدوث غيبوبة كيتونية.
الفرق بين سكري النوع الأول والنوع الثاني
لم يكن علاج الطفل مثل علاج جده السكري. على سبيل المثال، الأخير أُصيب به في الأربعين من عمره، وكتب له الطبيب أقراص لتنظيم نسبة الجلوكوز بالدم، مع نظام غذائي وقائمة من الممنوعات، ولكن الطفل لم يكن له علاج سوى الإنسولين. فعلى الرغم من أن هذا سكري وذاك سكري، إلا أن أسباب المرض وطبيعته مختلفة في الحالتين.
في سكري النوع الأول، يكون المرض مناعي، إذ يهاجم جهاز المناعة في الجسم خلايا بيتا في البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الإنسولين، وحتى هذه اللحظة لم يُكتشف سبب هذا الخلل الذي يؤدي بالجسم إلى مهاجمة نفسه. وأما النوع الثاني من السكري، فسببه عجز البنكرياس عن إنتاج كمية كافية من الإنسولين لحرق الجلوكوز بالدم، وغالبًا ما يكون سبب النوع الثاني وراثي، أو السمنة، أو النظام الغذائي غير الصحي.
العلاج.. الإنسولين
لا علاج للسكري من النوع الأول حتى الآن سوى الإنسولين، وهناك عدة أنواع من الإنسولين، أهمها:
- الإنسولين سريع المفعول: وهو النوع الذي يعمل بعد حقنه بدقيقتين ونصف إلى 20 دقيقة، وهو أحد الأنواع التي يعتمد عليها الطفل السكري قبل الوجبات، أي يُستخدم ثلاث مرات في المتوسط يوميًّا، ويُغطي متوسط 3 ساعات، كذلك يُستخدم هذا النوع لتصحيح القراءات العالية لجلوكوز الدم.
- الإنسولين قصير المفعول: ينشط هذا النوع بعد 30 دقيقة من الحقن، وهو نوع آخر من الإنسولين المستخدم قبل الوجبات، ولكنه مفعوله يمتد لوقت أطول قد يصل إلى 6 ساعات، ويُفضل استخدامه في أثناء اليوم الدراسي.
- الإنسولين طويل المفعول: وهو النوع الذي يمتد لساعات طويلة بمتوسط 24 ساعة، وهناك أنواع قد تمتد إلى نحو 40 ساعة. ويحتاج مريض السكري من النوع الأول الإنسولين طويل المفعول لحرق الجلوكوز الذي يفرزه الكبد طوال اليوم بعيدًا عن فترات تناول الطعام، ويؤخذ مرة واحدة يوميًّا في موعد محدد، أو مرة كل يومين على حسب امتداد مفعوله.
وهكذا، يتضح اعتماد الطفل السكري على نوعين من الإنسولين يوميًّا، بمتوسط 4 مرات حقن يوميًا. فالإنسولين يساوي حياة بالنسبة إلى أبطال السكري الصغار.
خرافات عن السكري
لم تنس الأم الأقاويل والآراء التي حاوطتها عند معرفة الناس بمرض ابنها بالسكري. فهناك من زعم أنه مرض مؤقت يزول مع التقدم بالعمر، ومن اقترح استخدام بعض الأعشاب عوضًا عن الإنسولين لتنظيم نسبة الجلوكوز بالدم، ومن ظنَّ أن الطفل السكري لا يمكنه تناول السكريات أبدًا، أو أن تناوله للأرز والمعكرونة والمقرمشات المملحة لا يضره، ومن فاجأها باعتقاده أن الطفل السكري يكون متخلفًا دراسيًّا وذا بنية جسدية ضعيفة. ولكن الأم لم تستسلم لتلك الخرافات، وإنما بحثت واستشارت الأطباء والمتخصصين، وعرفت أن:
- السكري مرض مزمن لا يبرأ منه المريض.
- لا غنى ولا بديل عن استخدام الإنسولين.
- يمكن للمريض تناول الحلويات بقدرٍ محسوب، وجميع النشويات ترفع نسبة الجلوكوز بالدم.
- لا يختلف الطفل السكري عن غيره في نسبة الذكاء، أو التركيز، أو التقدم الدراسي، أو المهارات الذهنية والحسية.
- لن يعاني الطفل السكري من ضعف البنية إلا إذا كان لا يمارس الرياضة أو لا يتبع حمية غذائية صحية.
النظام الغذائي والرياضة.. الجانب الآخر من العلاج
لا يمكن اعتماد الإنسولين وحده علاجًا للطفل السكري؛ ذلك لأن النظام الغذائي الصحي هو المفتاح الذي يجعله ينعم بحياة صحية بعيدًا عن مضاعفات السكري. وتُحدد جرعات الإنسولين السريع أو القصير على حسب نسبة الكربوهيدرات في الطعام الذي يتناوله الطفل، لذا لا يوجد ما يسمى بجرعات ثابتة للطعام. مثلًا، تستهلك الوجبة التي تحتوي على 30 جرامًا من الكربوهيدرات وحدات أكبر من تلك التي تحتوي على 10 جرامات فقط.
ولكن، يجب مراعاة اختيار أطعمة ذات مؤشر غلايسيمي منخفض، أي أطعمة لا ترفع نسبة سكر الدم بسرعة. مثلًا، تناول كوب عصير يحتوي على 15 وحدة كربوهيدرات ترفع السكر أسرع من طبق من الخضروات المطبوخة والأرز البني يحتوي على كمية الكربوهيدرات نفسها. لذلك، يجب أن يحتوي النظام الغذائي لطفل السكري على مأكولات ذات مؤشر غلاسيمي منخفض؛ مثل الحبوب الكاملة، والخضروات، واللحوم قليلة الدسم، والأسماك. ولا يعني ذلك أن الحلوى غير مسموح بها تمامًا، ولكن يُفضل استهلاك الحلوى ذات السكر الخالي من الكربوهيدرات ونسبة دهون قليلة.
ولا يمكن إغفال الدور الفعال والقوي للرياضة، في حياة أي شخص ولا سيما طفل السكري. فالرياضة تساعد على تقليل مقاومة الجسم للإنسولين، وتحمي الطفل من المضاعفات المحتملة للسكري، وتكسبه لياقة بدنية ونشاط يحمياه من السمنة، التي هي العدو الأكبر لمريض السكري.
متابعة نسبة الجلوكوز بالدم
لا يمكن للطفل السكري أن يحيا حياة صحية دون المتابعة الدائمة والمستمرة لنسبة الجلوكوز بالدم. فبناءً على القياس، تُحدد جرعة الإنسولين التي يُحقن قبل الوجبات. أيضًا، تحميه المتابعة من الارتفاعات أو الانخفاضات المفاجئة التي قد تؤدي إلى غيبوبة ارتفاع السكر – الغيبوبة الكيتونية – أو غيبوبة انخفاض السكر، وهي الأخطر لسرعة حدوثها ومضاعفاتها الخطيرة.
وكانت الطريقة المتابعة في العقود الماضية هي أجهزة قياس نسبة الجلوكوز بالدم التقليدية، التي تعتمد على الوخز بأحد أصابع اليد ووضع نقطة من الدماء على شريط يستخدم لمرة واحدة. كان لتلك الطريقة عيوب كثيرة؛ أبرزها أن الطفل يحتاج إلى المتابعة 10 مرات يوميًّا على الأقل إذا كان الوضع مستقرًا، ما يشعره بعدم الراحة ويؤثر مستقبلًا في أعصاب أطراف أنامله.
منذ بضعة أعوام، ظهر اختراع يعد طوق نجاة للسكريين عمومًا، ولأطفال السكري خصوصًا، وهو «المجس». والمجس هو شريحة تُلصق على الذراع، وتُفعل بالقارئ أو بالتطبيق على الهاتف المحمول الذي يتمتع بخاصية «اتصال المدى القريب» المعروفة اختصارًا بـNFC. عند تمرير القارئ أو الهاتف المحمول بالقرب من الشريحة، تعطيك قراءة نسبة الجلوكوز بالدم.
ليس هذا فحسب، بل وتعطيك مؤشرًا إذا كانت نسبة الجلوكوز في ارتفاع أو انخفاض، مع متوسط للقراءات اليومية، ورسم بياني يومي، وإحصائية شهرية تجعلك تتابع الموضوع بشكل أفضل. يستبدل المجس كل أسبوعين، ويعطي عددًا لا نهائيًّا من القراءات. أيضًا، يمكن تركيب جهاز تنبيهي صغير لشريحة المجس يسمى «مياو مياو» يعطي إنذارًا عند ارتفاع الجلوكوز أو انخفاضه.
«جوووووووووووووووووووول!»
أفاقت الأم من أفكارها على صوت فريق طفلها يحتفل ً بالفوز، فابتسمت في صمت، ولوحت لصغيرها من بعيد، وقد رأته بطلاً حقيقيًا.
المراجع
diabetes.org.uk
betterhealth.vic.gov.au
glycemicindex.com/