إذا كنت تعتقد أن التفرقة بين مقطع فيديو حقيقي وآخر مزيف أمر سهل، فاعلم أن التطورات الأخيرة التي شهدتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستجعلك تغير رأيك.
تخيل أن تستيقظ يومًا لتجد مقطع فيديو مزيف بدقة تقوم فيه بممارسة بعض الألعاب السحرية؛ فماذا سيكون شعورك؟ تخيل مرة أخرى، ماذا سيكون شعورك إذا انتشر هذا المقطع بسرعة فيروسية؟ ما طرحناه الآن لم يعد أمرًا افتراضيًّا؛ فمقاطع الفيديو المزيفة انتشرت في كل مكان ودفعت انتحال الهوية الرقمية إلى مستوى أعلى حقًا. حتى وقت قريب، كنا نظن أنه لا يوجد ما هو أسهل من التفرقة بين مقطع فيديو حقيقي وآخر محوسب، ولكن التطورات الأخيرة التي شهدتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كانت مدعاة لقلق الملايين من مستخدمي الإنترنت.
ففي فترة الحجر الصحي، لاحظنا عديد من المشاهير الذين لم يكن لديهم أي حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ينشئون حسابات ويشاركون محبيهم حياتهم اليومية. لذا لم نستغرب انضمام نجم هوليود توم كروز إلى موقع «تيك توك» في فبراير 2021 باسم @deeptomcruise? ومشاركتنا مقاطع فيديو عليه وهو يؤدي خدعًا سحرية. وفي الواقع، لم تكن محتويات مقاطع الفيديو أو سرعة انتشارها صادمة بقدر معرفتنا أنها مزيفة عندما أعلن صانعها كريستوفر أوم، أحد فناني المؤثرات البصرية، أنه صنعها بمساعدة مُقَلِّد «كروز» مستخدمًا تكنولوجيا «التزييف العميق».
وقد صاغ مصطلح التزييف العميق أو «ديب-فاك» deepfake بالإنجليزية عام 2017 أحد مستخدمي موقع «رديت» Reddit، ليصف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المستخدمة فيه وهي «التعلم العميق» أو «ديب لِرنينج» deep learning. تعتمد هذه التكنولوجيا على شبكات عصبية عميقة تتضمن مشفرات آلية وتستخدم تقنية تبديل الوجوه في مقاطع الفديدو. وخوارزميات التعلم العميق مبرمجة على حل المشكلات عند مدها بكم هائل من البيانات؛ ولذلك يقوم محرر مقطع الفيديو بتشغيل آلاف اللقطات لوجهي الشخصين المراد إبدالهما، وبمنتهى اليسر يلصق وجهًا فوق الآخر فيصنع مقاطع مزيفة واقعية المظهر وهي مقاطع التزييف العميق. بعبارة أخرى، يؤدي الحاسوب العمل الشاق، لا البشر.
Visual effects deepfake breakdown of the viral DeepTomCruise Tiktok videos by Christopher Ume
كان لهذه التكنولوجيا تطبيقات حميدة في مسارح السينما والألعاب، ولكن هذه التطبيقات المزعجة جعلتها خطرًا واضحًا. فلقد اعتدنا مشاهدة تنوعات عديدة لمقاطع فيديو زائفة رديئة الصنع بسبب ارتفاع تكلفة صناعتها أو لأنها تستغرق وقتًا طويلًا، ولكن لم يعد الأمر كذلك. فقد صار بإمكان المستخدم العادي إنتاج مقاطع فيديو التزييف العميق مستخدمًا تطبيقات وبرامج متنوعة. وكلما صارت التكنولوجيا أشد تعقيدًا صارت أشد خطورة مع استخدامات متنوعة تخطت حاجز الدعابة أو السخرية.
تتزايد هذه التكنولوجيا بوتيرة مثيرة؛ إذ تزايدت أعداد مقاطع فيديو التزييف العميق على شبكة الإنترنت من 7.964 إلى 14.678 مقطعًا، وفق تقريرشركة ديبتريس Deeptrace الناشئة. ويحاول الباحثون الكشف عن بعض مؤشرات مقاطع فيديو التزييف العميق؛ ومنها مثلًا بحث أجري عام 2018 اكتشف أن الوجوه المزيفة لا ترمش بعينها عادة، وألقى بحث آخر الضوء على مشكلات واضحة في لون البشرة، أو توافق ضعف الإضاءة، أو تزامن الشفاه في مقطع الفيديو المزيف. مع ذلك، فور الكشف عن أي من هذه المشكلات تتطور التكنولوجيا ويصبح الكشف عن التزييف أصعب.
فيصف «أوم» التكنولوجيا المستخدمة في مقاطعه سريعة الانتشار للموقع الإخباري «ذا فيرج» The Verge قائلًا: «إنها مثل برنامج فوتوشوب Photoshop منذ عشرين عامًا؛ فلم يكن الناس حينها على دراية بماهية تحرير الصور، ويعلمون الآن عن هذه المقاطع المزيفة».
إذا بدا حدثًا غير مرجحًا، تذكر دائمًا وجود احتمالية لوقوعه. وإذا جعلت مقاطع فيديو التزييف العميق الناس يعتقدون أنه لا سبيل في تصديق كل ما يرونه أو يسمعونه، فسوف تسوء الحرب ضد المعلومات الخاطئة ونظريات المؤامرة. فعلينا رفع وعي الجمهور بوجود مثل هذه التكنولوجيا ومنحهم المساحة اللازمة لتحليل المعلومات المقدمة إليهم وانتقادها قبل استهلاكها.
المراجع
businessinsider.com
deeptracelabs.com
edition.cnn.com
forbes.com
fpf.org
theguardian.com