تحذير من «وال-إي»

شارك

لم أكن يومًا من هواة أفلام الرسوم المتحركة؛ لأنني بكل بساطة لا تستهويني أعمال الخيال العلمي، أو الأساطير الخرافية، أو القصص الخيالية. إلا أن محررتي قد نصحتني بمشاهدة فيلم "وال-إي" مؤكدةً لي أنه سيعجبني وتحدتني أن أغير فكرتي عن تلك الأفلام.

وفي بداية فيلم وال-إي - وهو فيلم خيال علمي رومانسي أنتج عام 2008 - انتابني شعور بأنني لن أغير رأيي وأنه لن يعجبني البتة، وكان ذلك لأن معظم الجزء الأول منه بمثابة فيلم صامت. إلا أنني بعد وهلة وجدت نفسي مندمجة مع قصة حب غير اعتيادية ممزوجة بالعديد من الرسائل الهامة والمؤثرة التي يحتويها الفيلم، حتى أنني فوجئت بعيني تدمع.

فيعتبر وال-إي قصة توعوية تدور أحداثها في المستقبل بعد مئات السنين، ويعكس الفيلم كيف يمكن للتكنولوجيا أن تدمر حياتنا بدلاً من أن تحسنها، وذلك إذا أسيء استخدامها. وبطل الفيلم هو إنسان آلي اسمه وال-إي - اختصارًا لجامع النفايات الأرضي - صممته شركة "باي أند لارج"، والتي قامت بنقل جميع البشر من كوكب الأرض إلى المركبة الفضائية "أكسيوم" تاركةً وال-إي وحيدًا على الأرض؛ حيث يقوم بتنظيف النفايات والقمامة التي خلفها البشر.

وعلى متن المركبة الفضائية أكسيوم، يقوم جيش من الأناس الآليين بخدمة البشر الذين تحولوا إلى مخلوقات سمينة وكسولة للغاية؛ فأصبحوا بلا فائدة. وكل ما يفعله قاطنو أكسيوم هو الاستلقاء على مقاعدهم الحوَّامة، ومتابعة الشاشات الخاصة بكلٍّ منهم، وشرب غذائهم باستخدام الماصات؛ حيث أصبح كل شيء أوتوماتيكيًّا فلم يعد هناك حاجة إلى الحركة أو حتى إلى مد أيديهم لتناول الطعام.

في حين أنه على كوكب الأرض، يقضي وال-إي وقته في جمع القمامة وضغطها لتكوين مكعبات يبني بها أبراجًا. ويقوم وال-إي بجمع الأشياء التي تثير إعجابه أو فضوله من بين القمامة التي يجمعها؛ فيحتفظ بها في منزله. ويستمر حال وال-إي على هذا المنوال حتى يحدث في يوم من الأيام أن تهبط "إيفا" - مُقَيِّم الحياة النباتية اللا أرضي - على كوكب الأرض، وهي إنسان آلي متطور للكشف عن أي مظهر من مظاهر الحياة على الأرض، والتي من شأنها أن تشير إلى إمكانية رجوع ركاب أكسيوم إلى كوكب الأرض.

وبعثوره على الرفقة أخيرًا يقع وال-إي في غرام إيفا التي تعثر على ضالتها متمثلة في نبتة كان وال-إي قد جمعها من بين ما جمع في منزله. في تلك اللحظة تتوقف إيفا عن العمل تمامًا؛ فتبقى ساكنة رغمًا عن محاولات وال-إي المضنية حتى يتم إعادتها إلى أكسيوم، مولعًا بغرامها، يتبعها وال-إي إلى المركبة الفضائية.

على الرغم من أن هدف وال-إي الوحيد هو العثور على حبيبته إيفا، فإنه في خلال رحلة بحثه عنها يقابل كثيرًا من الأناس الآليين، كلٌّ منهم له وظيفة محددة متعلقة بالنظافة. فأصبح من الواضح أن الاستهلاك البشري هو ما تسبب في امتلاء كوكب الأرض بالقمامة، ومن ثمَّ قد شرع في ملء الفضاء الخارجي بالقمامة أيضًا. ورغم صغر حجمه وقيامه بأقذر الأعمال، يبدأ وال-إي في تعليم ركاب أكسيوم كيفية إعادة ما خسروه بسبب الكسل والاعتماد المفرط على التكنولوجيا.

يعكس الفيلم الجانب السلبي للتكنولوجيا؛ فابتداءً من الآلات الحاسبة، إلى أجهزة الكمبيوتر، ومؤخرًا الحاسبات الآلية المحمولة والهواتف الذكية، من شأن التكنولوجيا أن تصبح دافعًا للكسل والعزلة. فيقضي الناس ساعات في استخدام المعدات عالية التقنية عوضًا عن قضاء الوقت مع البشر؛ فيستخدمون المعدات بدلاً من أجسادهم وعقولهم للتحرك من مكان إلى آخر، أو للحصول على معلومات، أو حتى للتفكير. حتى الأطفال يبقون بالمنزل ويقضون الساعات أمام ألعاب الفيديو بدلاً من التمتع بطفولة طبيعية واللعب في المتنزهات أو التلوين أو لعب ألعاب الأنشطة اللوحية التي تحفز قدراتهم ومهاراتهم العقلية.

فالآن، يمكنك التحدث إلى سيارتك، وأن تطلب منها الوقوف في ساحة السيارات بنفسها؛ كما أصبح هناك أجهزة تليفزيون تتفاعل معك وتنطفئ ذاتيًّا إذا غفوت أمامها. وتبدو كل تلك التقنيات مذهلة في ظاهرها، ولكن إذا قمت بالتفكير لثوانٍ ستجد أنها تجذب الناس إلى الاعتماد عليها؛ فيصبحون كسالى حتى عن القيام بأبسط الأشياء؛ مثل إطفاء التليفزيون.

ولا يوجد أدنى شك في أن التكنولوجيا تأخذنا إلى منحى جديد للحياة، ولكن الاعتماد المفرط عليها يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة لحياتنا ولكوكبنا. فتمنح التكنولوجيا الراحة للإنسان ولكن تلك الراحة ليست دائمًا في صالحه؛ فيمكن أن يتحول في يوم من الأيام ليصبح واحدًا من قاطني أكسيوم!

المراجع

independent.co.uk
guardian.co.uk
movies.nytimes.com
cinemablend.com

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية