إن تكلفة الراحة باهظة حقًا. فمنذ بدأ البشر في استخدام البلاستيك صارت الحياة أسهل كثيرًا؛ إذ اختفت إلى حدٍّ كبير عقبات مثل غسيل الأطباق، والزجاجات، وما إلى ذلك، وحلت محلها ثقافة الاستخدام الواحد. ومع زيادة عدد السكان، زاد استخدام البلاستيك أيضًا؛ فأصبح عالمنا غارقًا في النفايات البلاستيكية، وأُطلق العنان لوحش يخنق كوكب الأرض.
ولكن قبل أن نتناول موضوع النفايات البلاستيكية بمزيد من التفصيل، دعونا نعرف أولًا كيف غزا البلاستيك عالمنا. تشير كلمة «بلاستيك» إلى العناصر المرنة التي بإمكانها أن تتخذ أي شكل أو هيئة. وتستخدم هذه الكلمة في الوقت الحاضر للإشارة إلى العناصر المصنوعة من البوليمرات. يُعد السليولوز الموجود في النباتات من البوليمرات الطبيعية؛ إلا أن البشر قد توصلوا إلى طريقة لعمل البوليمرات الاصطناعية باستخدام سلاسل طويلة من الذرات ذات الأنماط المتكررة؛ وهو ما يعطي البلاستيك خصائصه المعروفة؛ المرونة وخفة الوزن. وعلى عكس البوليمرات الطبيعية، تصنَّع البوليمرات الاصطناعية من البترول وأنواع أخرى من الوقود الأحفوري.
اخترع ليو بايكلاند أول بوليمر اصطناعي بالكامل دون استخدام أي مواد طبيعية في عام 1907. إلا أن جون ويسلي هيات قد سبق أن ابتكر أول بوليمر اصطناعي مستخدمًا مواد طبيعية مثل الكافور والسليولوز في عام 1869. فقد كان هدفه إنشاء بديل للعاج المستخدم في لعبة البلياردو المنتشرة في ذلك الوقت؛ وهو ما نتج عنه مذبحة للأفيال؛ مما يدل على أنه كان يحمل في قلبه نية حسنة، بل فضلى النيات.
ولكن عندما صنعنا البلاستيك، كنا كمن يهرب من الرمضاء إلى النار. فصار البلاستيك توجهًا جديدًا؛ إذ أتيحت أدوات كثيرة رخيصة الثمن، لما توافرت لولا وجود البلاستيك؛ وذلك بسبب ندرة الموارد الطبيعية. وانتشر البلاستيك ليحل محل «المعادن في السيارات، والورق والزجاج المستخدم في التعبئة والتغليف»، حسب وصف المؤلفة سوزان فرينكل.
إذًا، لم يعد البلاستيك مشكلة؟ الإجابة بسيطة: البلاستيك لا يتحلل بيولوجيًّا، على عكس المواد الطبيعية؛ فيستغرق تحلله فترات طويلة؛ لأنه مصنوع من مواد كيميائية لا تتعرفها البكتيريا التي تقوم بعملية التحلل. بعبارة أخرى، لأن البلاستيك ليس من صناعة الطبيعة، فهي لا تسترده مرة أخرى؛ فينتج عن هذا أكوام من البلاستيك المدفون في الأرض والمحيطات.
هناك منطقة شهيرة في المحيط الهادئ تدعى «دوامة نفايات شمال المحيط الهادئ»؛ فكيف انتهى المطاف بالبلاستيك في هذه المنطقة؟ النفايات البلاستيكية تدخل المحيط عن طريق الأنهار؛ فتسافر لمسافات طويلة حتى تصل إلى تيارات قوية، فيحصرها تيار شمال المحيط الهاديء الدائري، وتتراكم فينتج عنها رقعة بلاستيكية لا تختفي. وبمرور السنين، تراكمت هذه الرقعة. فتشير الإحصاءات إلى أن حجمها صار الآن ثلاثة أضعاف حجم فرنسا. ووفقًا لما نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، فإنه بحلول عام 2050، سوف تفوق كميات البلاستيك أعداد الأسماك في المحيط.
لذلك، علينا أن نولي اهتمامنا كاملًا نحو النفايات البلاستيكية قبل فوات الأوان؛ لكن، ماذا يتوجب علينا فعله؟ الأولوية الأولى هي نشر الوعي؛ فليس بإمكاننا حل مشكلة ما إذا لم ندرك جميع أبعادها. ومن أمثلة مبادرات التوعية، إطلاق هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مبادرة لمراقبة البلاستيك (Plastics Watch – Plastics Action) لنشر الوعي وطرح توصيات بحلول لتقليل استخدام البلاستيك؛ وذلك باستخدام عناصر أكثر ملاءمة للبيئة.
إذًا، ماذا يتوجب علينا فعله؟ دعونا نستكشف سويًّا أشياء صغيرة بإمكاننا القيام بها من أجل إنقاذ كوكبنا من البلاستيك. فبإمكاننا أن نختار، كلما أمكن، عناصر صديقة للبيئة يمكننا استخدامها مرارًا وتكرارًا بأمان. على سبيل المثال، بإمكاننا حمل أكياس مصنوعة من القماش عوضًا عن الأكياس البلاستيكية التي نحملها عند التسوق. وبإمكاننا أيضًا استخدام فرش مصنوعة من الخيزران بدلًا من فرش الأسنان العادية، واستخدام زجاجات قابلة لإعادة الاستخدام بدلاً من الزجاجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد. ويمكننا أيضًا اختيار شماعات الملابس المصنوعة من المعدن بدلًا من البلاستيك. استخدم أيضًا أدوات المائدة المعدنية عوضًا عن الأدوات البلاستيكية التي تستخدم مرة واحدة؛ فسيشكرك كوكب الأرض.
وكل الأشياء المذكورة أعلاه معروفة للجميع؛ إلا أن البلاستيك موجود أيضًا في عناصر أخرى غير متوقعة. مثلًا، إذا أردنا مساعدة البيئة، فعلينا أيضًا التخلي عن «العلكة». نعم، فقد تبدو بريئة، ولكن في حقيقة الأمر هي ليست صديقة للبيئة؛ فالعلكة مصنوعة من «المطاط الصناعي»، والمعروف أيضًا باسم «البلاستيك». كذلك، لا تشترِ الأطعمة المجمدة واختر المواد الغذائية الطازجة؛ لأن الأطعمة المجمدة معبئة في أغلفة بلاستيكية. وبينما تنقذ البيئة، فإنك تنقذ نفسك أيضًا؛ لأنك ستتناول أغذية غير معالجة.
يمكننا إضافة الكثير إلى هذه القائمة؛ فالبلاستيك موجود حرفيًّا في كل مكان. وفور طلبه نجده؛ فعلينا أن نضع حدًّا لهذا الأمر. البلاستيك في متناول اليد ولكنه غير صحي؛ وحتى نجد بديلًا منه، علينا أن نحد من استخدامه، وعلى الرغم من صعوبة الأمر فإنه ممكن. ليس علينا فقط البحث عن بدائل البلاستيك «عندما تكون متاحة»، ولكن علينا أيضًا إجبار المصنعين على استخدام البدائل صديقة البيئة، بل تطويرها عند الضرورة.
وتقليل استخدام البلاستيك ليس أمرًا صعبًا؛ ولكن الصعب هو كسر عادات استخدام البلاستيك والتخلص منه. مع بعض التغييرات البسيطة، بإمكانك القضاء على البلاستيك أو على الأقل الحد من استخدامه. فهناك أطنان من فرش الأسنان البلاستيكية في المحيط، وأطنان أكثر من الأكياس والزجاجات البلاستيكية التي نحتاج أن نوليها اهتمامًا فوريًّا. وحتى نعرف طريقة للتخلص منها بأمان، علينا تقليل استخدامنا إياها.
والمحيطات هي أكثر الأماكن التي تتضح فيها مشكلة النفايات البلاستيكية. فنشرت «بي بي سي» مقالًا على شبكة الإنترنت عن أحد حيتان العنبر الذي عثر عليه ميتًا وداخل معدته نحو ستة كيلو جرامات من النفايات البلاستيكية التي شملت أكواب الشرب، والأكياس البلاستيكية، ونعال الشاطئ. ليس وحدها الحيتان التي تعاني من هذه المشكلة، بل الحياة البحرية بأسرها تختنق؛ لأن المحيطات مليئة بالبلاستيك. فكثيرًا ما تبتلع السلاحف البحرية الأكياس البلاستيكية الشفافة عن طريق الخطأ ظنًّا منها أنها قناديل البحر.
وبخلاف الحياة البحرية وتأثير البلاستيك فيها، سنجد أنه عند تناولنا الأسماك، فإننا نتناول البلاستيك أيضًا؛ لأنه قد عُثر على جسيمات البلاستيك الدقيقة في لحومها. علاوة على ذلك، وجدت الألياف البلاستيكية طريقها إلى ماء الصنبور؛ مما يعني أنه عند شربك الماء، من المحتمل أنك تشرب البلاستيك معه أيضًا. والعلماء لمـَّا يتأكدوا بعد من كيفية وجود هذه الألياف البلاستيكية، ولكن طالما البلاستيك يؤثر في المخلوقات الأخرى، فإنه حتمًا يؤثر فينا أيضًا. نحن لسنا محصنين ضد وباء البلاستيك؛ فنحن جزء من البيئة، وقد ثبت أن المثل الشهير «كما تدين تُدان» صحيح تمامًا فيما يتعلق بالنفايات البلاستيكية.
إذًا، هل سيستمر البلاستيك في المحيط إلى الأبد؟ بالتأكيد نأمل أن تكون الإجابة «لا». فقد رأينا بصيصًا من الأمل عندما قام مجموعة من العلماء «بالصدفة» بابتكار إنزيم يكسر البلاستيك إلى قطع أصغر؛ وهو ما قد يساعد، ولكن قد يمر وقت طويل قبل تطبيق هذه الإنزيمات في عملية إعادة تدوير البلاستيك بكفاءة. وعلى الرغم من أن البلاستيك قد جعل حياتنا أسهل، فإن كل هذا سوف يتغير تدريجيًّا مع تراكم البلاستيك في المحيطات وعلى الأرض. فما زال أمامنا طريق طويل لنقطعه، ولكن بمزيد من الوعي والتوصيات والحلول، سوف نتمكن في نهاية الأمر من هزيمة هذا الوحش. لكي تعرف مزيدًا من الأفكار حول كيفية مساعدة البيئة وتقليل استخدام البلاستيك، أنصحك بالتحقق من مبادرة «بي بي سي» Plastic Waste - Plastics Action؛ فعندما نتخذ بعض الخطوات معًا بإمكاننا أن نحدث التغيير.
المراجع
sciencehistory.org
livescience.com
bbc.co.uk
theoceancleanup.com
washingtonpost.com
theguardian.com
arabic.rt.com
independent.co.uk
onegreenplanet.org
theguardian.com
independent.co.uk
greeneducationfoundation.org
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء 2019.