منذ أن أعلنت وكالة ناسا برنامجها لغزو المريخ برحلات مأهولة في ثلاثينيات أو أربعينيات القرن الماضي، زاد الاهتمام بالكوكب الأحمر أكثر وأكثر. ومنذ الستينيات، صار الكوكب يشغل العلماء ويثير فضولهم، وباتت أبحاثهم عنه في اطراد مستمر. ومع تقدم تكنولوجيا الأرصاد، يزداد انشغال العلماء به وبدراسته حتى أصبح أكبر كوكب تُرسل مركبات فضائية إليه من بين كل الكواكب حتى اليوم.
صرح الملياردير إيلون ماسك صاحب شركة «سبيس إكس» SpaceX؛ وهي شركة فضائية خاصة ترعى الأبحاث العلمية في مجال الفضاء، أنه سيعلن برنامجًا خاصًّا لإرسال أول إنسان إلى المريخ عام 2025–2026. ولإيلون ماسك مقولة شهيرة بخصوص رحلات المريخ يقول فيها: «أتمنى الذهاب إلى المريخ، وحلمي أن أموت عليه». بالطبع، هو يتمنى وفاة طبيعية على المريخ، وليست بسبب تحطم المركبة الفضائية التي ستقله إلى هناك.
هذا، وتناقش زيارة كوكب المريخ الآن على الوجه التالي: هل ستكون ذهابًا وعودة؟ أو استعمارًا بلا عودة؟ فدعني عزيزي القارئ أعرض عليك مدى صعوبة وإمكانية الخيارين.
إن خيار الذهاب إلى المريخ وعدم العودة منه تتطلب السيناريو التالي: لا بد من تجهيز مركبة فضائية تحمل أربعة رواد فضاء على الأقل، مع مراعاة تفاصيل تدريبهم وتقنيات اختيارهم الأساسية التي تشمل توافر السلامة الجسدية، والصحة النفسية والعقلية، ومعدل الذكاء، والقدرة على التحمل، وحسن التصرف في المواقف الطارئة بحكمة وهدوء. ومع افتراض وصول الرحلة بسلام، وتسكين الرواد في كبسولات خاصة على الكوكب الأحمر، وتوافر كل المستلزمات وسبل العيش من مأكل ومشرب، وإعادة تدوير الهواء وفلترته لإنتاج غاز الأكسجين، فسيلحق بهم أربعة آخرون، ومثلهم كل عامين، وهكذا.
سيناريو اختيار الأشخاص الأربع الذين سيصبحون مريخيين فيما بعد أعقد من هذا السرد بمراحل كثيرة. فما التخصصات مثلًا التي ستُرسَل أولًا؟ وما عدد الذكور بالنسبة إلى الإناث في كل مرة؟ وماذا سيفعلون في حالات الوفاة أو الولادة على المريخ؟ هل سيشرعون يبنون المقابر أو مرافق الولادة؟ إذًا، سيحتاجون إلى معدات طبية وطاقم رعاية طبية منهم وفيهم. وماذا بشأن استغلال الموارد المريخية؟ ماذا بشأن أساليب الزراعة وتوفير أنواع الطعام والفواكه والخضراوات؟ أم أننا سنرسلهم هناك على المريخ لنعذبهم ونغير نمط وأسلوب حياتهم التي فُطروا عليها؟
هل سيعتمد أوائل المريخيين على موارد الأرضيين، وينتظرون المدد والعون منهم كل سنتين؟ أم هل سيبنون حياتهم ومتطلباتها هناك؟ إجابتا السؤالين كلتاهما صعبة. فتكاليف نقل أربعة رواد بشر كل سنتين ومعهم المؤن والمعدات والآلات باهظة جدًّا في كل مرة. ولو طلبنا من المريخيين الاعتماد على أنفسهم في توفير سبل معيشتهم وتكييفها طبقًا للظروف المناخية والحياتية، فهو أمر أصعب وأصعب؛ ذلك لأن المريخ ببساطة غير ممهد وغير مهيأ لسكن البشر. وإن حدث وحاولنا التطويع وبناء مستعمرات تأوي عددًا محدودًا يتكاثر وينمو ويبني حضارة من الصفر هناك؛ فكل ذلك أيضًا يحتاج إلى ميزانية كل كوكب الأرض.
إذًا، لنعد إلى الخيار الثاني، وهو إمكانية الذهاب إلى المريخ والعودة منه. إن الإطار الزمني للذهاب إلى المريخ برحلات مأهولة والعودة منه لن يقل عن سنتين إلى سنتين ونصف في أحسن الظروف وعلى أقل تقدير؛ إذ يتطلب الأمر بعض تفاصيل الذهاب بلا عودة. فعلى فرض نجاح السفر والهبوط الآمن على سطح المريخ، فلا بد من إرسال نظام متكامل للانطلاق من على سطح المريخ والهروب أو الإفلات من جاذبيته، وأن توجد مركبة منتظرة تدور حول المريخ لالتقاط رواد الفضاء والعودة بهم آمنين إلى الأرض.
وفلكيًّا، وحسب الميكانيكا السماوية، لا بد من اختيار توقيتات الذهاب والعودة بحيث يكون المريخ أقرب ما يكون إلى الأرض، توفيرًا للوقت وتقليلًا لمدة السفر وتأثيرها في الرواد وصحتهم. فمن أهم التحديات أمام السفر إلى المريخ تلك الدراسات النفسية والبيولوجية على الرواد، وخصوصًا تلك التي تتعلق بالعزلة لوقت طويل وتأثير انعدام الجاذبية فيهم.
نخلص في نهاية هذا الطرح المختصر أن الصراع بين فكرة الذهاب إلى المريخ والعودة منه، أو الذهاب بلا عودة لا تزال قيد البحث والدراسة، وإن كان الكفة تميل أكثر ناحية الذهاب والعودة. وخصوصًا أن هذا قد حدث بالفعل أكثر من مرة، ولكن مع محطة الفضاء الدولية التي تدور حول الأرض باستمرار على ارتفاعات من 400 إلى 600 كم. ولا شك أن التحدي سيكون أكبر وأعقد مع المريخ.
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد صيف/ خريف 2021.
Cover image by pikisuperstar on Freepik