ما زلت أتذكر الطريقة التي طوت بها صديقتي الورق لتصنع قاربًا تهادي به أختي الصغيرة. أدهشني سرعة ثنيها للورقة في هذا الاتجاه وذاك، لتحولها إلى قارب في أقل من دقيقة. ما طبقته صديقتي هو فن «الأوريجامي»، وهو فن ياباني قديم يستخدم الورق لصنع الأشكال، وقد ظهر بوصفه وسيلة للإهداء وجزءًا من بعض الشعائر الدينية.
مع الوقت وتطبيق بعض المبادئ الرياضية، أصبحت الأشكال التي يمكن صنعها بالأوريجامي أكثر تعقيدًا. وقد ألهمت أشخاصًا من خلفيات علمية مختلفة لتطبيق مبادئ هذا الفن في اختصاصاتهم، ما أتاح الفرصة لعدد من الابتكارات أن ينبثق وينتقل من أعماق الفضاء إلى تحت الأنقاض، ومن ضمن هذه الابتكارات:
- تطبيقات في مجال الفضاء
من أجل حل ألغاز الكون، استنتج العلماء في ناسا أن عليهم بناء تليسكوب ذي مرايا أكبر من المستخدمة في تليسكوب هابل. ولكن صادف أن حجم أكبر صواريخ الإطلاق لا يناسب حجم التليسكوب. هنا ظهرت فكرة طي التليسكوب وإعادة بسطه في الفضاء، وبعد سنين من التجارب نجح تليسكوب جيمس ويب في الإقلاع وجذب أنظار العالم بصوره عالية الدقة.
كذلك، تعكف وكالة ناسا على تصميم مركبة مستوحاة من الأوريجامي ضمن مهمات استكشاف الكواكب خارج نظامنا الشمسي، أطلقت عليها «ظل النجم» Starshade. تشبه المركبة زهرة عباد الشمس كبيرة لها القدرة على حجب ضوء النجوم البعيدة لالتقاط صور الكواكب التي تدور حول تلك النجوم.
- ميكروسكوب من الورق
ألهم الأوريغامي مانو وشريكه جيم حين كانا يفكران في سبب تأخر اكتشاف مرض الملاريا في الدول النامية. أدركا من خلال رحلاتهما الميدانية هناك أن المشكلة تكمن في الميكروسكوب؛ فالميكروسكوب العادي ثقيل، وباهظ الثمن، وقابل للكسر بسهولة، وصعب التعامل معه.
«رخيصة، وقابلة للثني، وخفيفة»، تلك مواصفات المادة التي كانا يبحثان عنها لصناعة الميكروسكوب. وجاءتهما الفكرة حين نظرا للنماذج الأولية المرسومة على الورق؛ إذ وجدا أن المادة التي يبحثان عنها لصناعة التليسكوب هي ذاتها التي يرسمان عليها. فاستطاع مانو وتلاميذه تصميم الميكروسكوب المستوحى من الأوريجامي بخمسين سِنتًا؛ ليكون أول ميكروسكوب قابل للطي به كل إمكانيات الميكروسكوب العادي.
- روبوت على شكل صرصور
لا عجب أن قدرة الصرصور على الدخول في الأماكن الضيقة مبهرة ومقززة في الوقت نفسه، ولكنها مثالية لاكتشاف أماكن الأشخاص العالقين تحت الأنقاض. فقد دمج بعض العلماء في جامعة كاليفورنيا هذه المهارة الخاصة بالصراصير مع تصميم مستوحى من الأوريجامي لإنتاج روبوت يحاكي حركة الصراصير يستطيع التحرك خلال حتى أضيق الكسور.
روبوت يحاكي حركة الصراصير مستوحى من الأوريجامي
Credit: PolyPEDAL Lab, UC Berkeley
يحمل الأوريجامي إمكانيات واعدة لتغيير التصميمات الاعتيادية للأشياء. ونستطيع أن نتنبأ بأن مستقبل الابتكارات سيكون فريدًا ومع وجود فنون مثل الأوريجامي؛ إذ ستُعطى مساحة أكبر لتصاميم مبدعة للظهور في كل المجالات العلمية.
ما زال يحتاج عمل التصميمات المستوحاة من الأوريجامي إلى التطوير. وعلى الرغم من قدرة الأوريجامي على حل معضلات كثيرة في مجالات هندسة الروبوتات والمركبات الفضائية وتصميم الأثاث وغيرها، تظل عملية تطبيق مبادئه في التصميم مبهمة وتفتقر إلى برامج تصميم تدعم هذه التقنية وتواجه مشكلات التصنيع المرتبطة بطبيعة المواد وقابليتها للطي.
المراجع
foldscope.com
news.berkeley.edu
onlinelibrary.wiley.com
paperdev.gatech.edu
space.com
Image by catalyststuff on Freepik