لعل مصادفة القروش هي الكابوس الأسوء لممارسي السباحة، والغطس، وركوب الأمواج. فلدينا جميعًا تلك الصورة لسمكة القرش البيضاء سيئة السمعة وهي تهاجم بسرعة وشراسة بفكيها المزودين بأسنان حادة كالشفرات. إلا أنه هناك مزيد عن هذه الأسماك المراوغة والماهرة في السباحة.
من الصعب أن يتفوق أي كائن آخر على القروش في السباحة (Pleurotremata)، ولا عجب في ذلك لأنها تجوب المحيطات منذ 400 مليون عام حظيت خلالها بالفرصة للنشوء والارتقاء. تحدى السباح الأمريكي مايكل فيلبس، وهو اللاعب الأوليمبي الحاصل على أكبر عدد ميداليات في التاريخ بلغت 28 ميدالية. وقد أقيم السباق في يوليو 2017 بوصفه إحدى فعاليات أسبوع أسماك القرش الذي نظمته قناة ديسكفري. في الواقع، تنافس فيلبس مع نموذج محاكاة حاسوبي للقرش الأبيض قيست سرعة سباحته باستخدام بيانات فعلية. أنهى فيلبس الحاصل على سبعة أرقام قياسية عالمية السباق البالغ 100 متر في 38 ثانية بفارق ثانيتين لصالح القرش الأبيض.
هذا، وترجع مهارة القروش في السباحة لسمات متخصصة جدًّا؛ وهي الذيول، والزعانف، والجلد. تتمثل الوظيفة الرئيسية لذيل السمكة في توفير الدفع الذي تحتاج إليه لتتحرك إلى الأمام. عندما تتحرك الذيول، فإنها تكوِّن دفقًا من الماء يتحرك للخلف دافعًا السمكة إلى الأمام. على صعيد آخر، تستطيع القروش تصليب الذيل والتحكم في شكل حركته لتكوِّن تدفقين من الماء وإنشاء قوة دفع مضاعفة. وبالنسبة إلى الزعانف، يقول فرانك فيش – عالم الميكانيكا الحيوية بجامعة ويست تشيستر بولاية بنسلفانيا – إن بقدرة القروش استخدام عضلات الزعانف لتعديل شكلها وملمسها للتحكم في تدفق الماء.
أخيرًا وليس آخرًا، فإن أجسام القروش مغطاة ببنيات معروفة بالأسنان الجلدية، التي تعجل ملمس جلدها خشن مثل ورقة الصنفرة الخشنة. اتخذت هذه البنيات اسمها لأنها تشبه أسنان الفقاريات ولها غالبًا نفس النشأة والتطور. في أغلب أنواع القروش تكون نقاط التاج متجهة للخلف، وهو ما ينتج ملمسًا ناعمًا عند لمس جلد القرش من الرأس باتجاه الذيل، وملمسًا خشنًا عند لمسه بالاتجاه الآخر. وبينما تتحرك هذه البنيات على الجلد المنثني، فإنها تنتج دوامات تشفط سمكة القرش إلى الأمام وتزيد من قوة الدفع.
وقد أجريت دراسات عديدة على قدرات أسماك القرش على السباحة، وألهمت هذه الدراسات تطبيقات تكنولوجية مختلفة بداية من أزياء السباحة السريعة ووصولًا إلى الطائرات. على سبيل المثال، تناولت دراسة قادها جورج لودر، عالم الميكانيكا الحيوية بمتحف علم الحيوان المقارن بجامعة هارفرد، بنية جلد القروش، واستخدم الباحثون طابعة ثلاثية الأبعاد لبناء نسخة اصطناعية. وقد وجدت الدراسة أنه من شأن بنية جلد القرش أن تزيد سرعة السباحة بنسبة 6.6% وتقلل الطاقة المبذولة بنسبة 5.9%.
مرة تلو المرة، تفاجئنا الطبيعة الأم هذه المرة بأبطالها الموهوبين. وما هذا السرد المختصر (اقرأ موضوع «
رياضيون بالفطرة
(1) و(
2)») إلا دعوة للعقول التواقة للمعرفة أن تعلم كيف تعمل هذه الكائنات المدهشة وتتفكر في «صنع الله الذي أتقن كلَّ شيءٍ»، سورة النمل (الآية 88).
المراجع
animals.howstuffworks.com
bbc.com
cheetah.org
insidescience.org
livescience.comlivescience.com
mostlyopenocean.blogspot.com
news.nationalgeographic.com
popularmechanics.com
sciencemag.org
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد صيف 2018.
Banner image: vox.com