لعبت الكتابة دورًا بالغ التميُّز والأهمية في المجتمعات القديمة، وكانت في الأغلب ممارسة موقَّرة، إذ أشارت الأساطير والديانات إلى أصولها الإلهية.
وقد سبقت نظم الكتابة نظم الكتابة الأولية؛ وهي نظم الكتابة بالرسوم الفكرية أو الرموز الـمُذكِّرة المختصِرة. وتعد الكتابة الحقيقية التي يتم من خلالها تكويد دلالة القول ليستطيع قارئ آخر تفسيرها بدقة، تطورًا لاحقًا. فتختلف الكتابة الحقيقية عن الكتابة الأولية، التي تتجنب تكويد الكلمات والزوائد النحوية، مما يجعل تفسير الدلالة الدقيقة للنص عملية أكثر صعوبة أو مستحيلة بالمرة، إلا إذا كان السياق واضحًا ومعروفًا.
وتتميز نظم الكتابة عن نظم التواصل الرمزية الأخرى بأنه يتعين على المرء فهم اللغة المنطوقة المتعلقة بها إلى حدٍّ ما لفهم النص. وعلى العكس، لا تتطلب النظم الرمزية الأخرى مثل اللوحات الإرشادية، والرسومات، والخرائط، والرياضيات – معرفة مسبقة باللغة المنطوقة.
يمتلك كل مجتمع بشري لغة، وهي سمة ينعتها كثيرون بالفطرية المميزة لبني البشر. غير أن عملية تطور نظم الكتابة وتكميلها الجزئي للنظم الشفهية التقليدية كانت عملية متقطعة، وبطيئة، وغير منتظمة. وتتغير نظم الكتابة بمجرد نشأتها بصورة أبطأ من نظيراتها الشفهية؛ فتحفظ في طياتها سمات وتعبيرات لم تنج من التغيرات السريعة للغة المنطوقة. وهكذا، فمن فوائد الكتابة أنها توفر سجلًّا دائمًا للمعلومات الـمُعبَّر عنها بلغة ما، يمكن استرجاعه مرة أخرى في المستقبل.
عندما نتتبع مراحل تطور نظم الكتابة من الكتابة الأولية وصولًا للكتابة الحقيقية، فإننا نجد أنها تتبع سلسلة عامة من مراحل التطور:
- نظام الكتابة بالصور: الصور الرمزية التي تمثل الأشياء والمفاهيم بشكل مباشر، وذلك فيما يُعنى بالمراحل الفرعية التي يمكن تمييزها كما يلي:
- الرموز الـمُذكِّرة المختصِرة: الصور الرمزية التي تعمل كمُذكِّر بصفة أساسية.
- الرموز الـمُصوَّرة: الصور الرمزية التي تمثِّل شيئًا أو مفهومًا؛ مثل: التسلسل الزمني، والملاحظات، والتواصل، والطواطم، والألقاب، والأسماء، والدين، والعادات، والتاريخ، والسير.
- الرموز الفكرية: الوحدات الخطية هي رموز مجردة تمثِّل فكرة أو مفهومًا بشكل مباشر.
- النظام الانتقالي: لا تشير الوحدات الخطية إلى الأشياء أو الأفكار التي تمثلها فحسب، بل إلى أسمائها أيضًا.
- النظام الصوتي: وحدات خطية تشير إلى أصوات أو إلى رموز منطوقة؛ غير أن أشكال هذه الوحدات لا ترتبط بدلالاتها. وتنقسم بدورها إلى الفروع التالية:
- لفظية: وحدة خطية أو رسم لفظي يمثِّل كلمة كاملة.
- مقطعية: وحدة خطية تمثِّل مقطعًا.
- أبجدية: وحدة خطية تمثِّل صوتًا أوليًّا.
في العالم القديم تطورت نظم الكتابة الحقيقية من الكتابات القديمة في بدايات العصر البرونزي المبكر في الألفية الرابعة قبل الميلاد. هذا، وتعد السومارية القديمة – أو ما قبل الأشورية – والهيروغليفية المصرية أقدم نظم الكتابة، وقد نشأت كلتاهما تطورًا لسابقاتهما من نظم الرموز الأولية ما بين 3400 و3200 قبل الميلاد؛ بحيث ظهرت أول النصوص المتسقة في حوالي 2600 قبل الميلاد.
لا يوجد اتفاق جلي حول المواد التي شاع استخدامها في نظم الكتابة المبكرة. فقد كانت العادة في كل العصور الحفر على الأحجار، أو المعادن، أو غيرها من المواد التي تتحمل؛ بهدف الحفاظ على السجل. ومن المواد الشائعة في الكتابة الألواح واللفائف؛ حيث أتت الألواح من أصول كلديوية، والثانية من أصول مصرية.
الكتابة لا تقل أهمية عن المعرفة؛ حيث من الممكن إنتاج كم أكبر من المعرفة وحفظه بوجود الكتابة. فعندما تعرف حضارة ما الكتابة، تستطيع تدوين كيفية إدارة أمورها، وأسلوب حياتها، ومناسباتها، وإنجازاتها؛ فتبقى هذه السجلات الدقيقة لتخبر عنها. كما تستطيع الحضارات استيراد أفكار من أماكن بعيدة عن طريق تدوينها؛ فكانت الأمم التي عرفت الكتابة قادرة على احتلال أخرى لم تعرفها؛ لأن الكتابة كانت مصدر قوة.
المراجع
www.ancientscripts.com
www.livescience.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد ربيع 2015.
Image by wirestock on Freepik