كثيرًا ما تتكرر فكرة إجراء التجارب في الفضاء في أفلام الخيال العلمي. ففي فيلم «رامبيدج» Rampage الذي أنتج عام 2018، تُصاب ثلاثة حيوانات بعدوى عامل مُمرِض شديد الخطورة تسرب من معمل أبحاث موجود في الفضاء. وعلى نحوٍ مشابه، في فيلم «آد أسترا» AD Astra الذي أنتج عام 2019، يتعرض رائدا فضاء ذهبا للاستجابة لنداء استغاثة في محطة فضائية إلى هجوم من حيوانات اختبار هاربة قتلت أفرد طاقمها. ولكن في واقع الأمر، فإن التجارب التي تجرى في الفضاء ليست خيالًا علميًّا على الإطلاق؛ إذ أجريت أولى التجارب في الفضاء عام 1971.
«ساليوت 1» Salute 1 التابعة للاتحاد السوفيتي هي أول محطة فضاء مدنية في العالم، وكانت تضم مساحة 3,500 متر مربع مؤهلة للسكن لاستضافة طواقم تضم ثلاث أفراد. كانت المحطة مجهزة بمعدات علمية تزن 1,100 كيلوجرام، شملت تلسكوبات لإجراء عمليات الرصد الفلكي ومعدات أخرى لرصد كوكب الأرض. وقد التحمت مركبة طاقم «سايوز 11» Soyuz 11 بالمحطة الفضائية «ساليوت 1» بنجاح في أبريل 1971. وأمضى الطاقم 23 يومًا على متن المحطة، أجروا خلالها سلسلة من التجارب في مجالات الفيزياء الفلكية والأحياء ورصد الأرض والتكنولوجيا، بل وعمل أفراد الطاقم بمثابة عينات اختبار لدراسة تأثيرات انعدام الوزن في جسم الإنسان. ولكن للأسف انتهت مهمتهم نهاية تراجيدية نتيجة لحدوث عطل في كبسولة الهبوط في أثناء عودتهم إلى الأرض.
بعد سنتين، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية محطتها الفضائية الأولى «سكاي لاب 1» Skylab 1 في مايو 1973. وقد حملت على متنها معدات لإجراء أبحاث في مجالات مختلفة أهمها علوم الحياة والدراسات الحيوية الطبية. وتضمنت المجالات البحثية الأخرى عمليات رصد كوكب الأرض، والعلوم الشمسية، والاستجابات النفسية لرواد الفضاء في أثناء الرحلات الفضائية طويلة المدة. نفذت ثلاثة طواقم ضم كل منها ثلاثة أشخاص 270 تجربة في فترة بلغت 171 يومًا. وقد غادر الطاقم الأخير «سكاي لاب» في فبراير 1974، ولكن المحطة بقيت في المدار حيث تولى مركز التحكم في المهمة قيادتها حتى عادت إلى غلاف الأرض الجوي مرة أخرى في يوليو 1979. والآن تُعرض بعض الأجزاء التي استُعيدت من «سكاي لاب» في المتاحف.
وفي عام 1973، وقعت وكالة ناسا ومنظمة أبحاث الفضاء الأوروبية –التي أصبحت الآن معروفة بمنظمة الفضاء الأوروبية– اتفاقية لبناء مختبر فضائي قابل لإعادة الاستخدام يمكن أن يسافر على متن مكوك الفضاء «سبيس شاتل» Space Shuttle التابع لوكالة ناسا. وهكذا، سافر المختبر الفضائي «سبيس لاب» Spacelab في 22 مهمة على متن مكوك الفضاء بين عامي 1983 و1998؛ بل وظلت بعض أجزاءه في الخدمة حتى عام 2009. وقد حمل «سبيس لاب» في مهمته الأولى طاقم مكون من 6 أفراد أجرى أكثر من 70 تجربة في مجالات عديدة مثل علم الفلك، والفيزياء الشمسية، وفيزياء بلازما الفضاء، ورصد الأرض، وعلم المواد، والتكنولوجيا، وعلوم الحياة.
أخيرًا وليس آخرًا، لا يمكننا ببساطة التغافل عن محطة الفضاء الدولية (ISS) التي تُعدُّ أكبر محطة فضائية مكونة من وحدات ومأهولة بشكل دائم. المحطة نتاج تعاون خمس وكالات فضائية تمثل الولايات المتحدة، واليابان، وأوروبا، وروسيا، وكندا. وتندرج البحوث الذي تجرى على متن محطة الفضاء الدولية تحت ست فئات رئيسية؛ هي الأحياء، والتكنولوجيا الحيوية، وعلوم الأرض والفضاء، والأنشطة التعليمية، والبحوث البشرية، والعلوم الفيزيائية، والتكنولوجيا. ومنذ عام 2001، حملت 68 بعثة أكثر من 250 شخصًا إلى محطة الفضاء الدولية. هذا ويستطيع الباحثون حول العالم تصفح تجارب المحطة والنتائج المنشورة من خلال هذا الرابط.
شاهد البث المباشر من المحطة الفضائية الدولية:
المراجع
esa.int
nasa.gov/feature
nasa.gov/feature/skylab
nasa.gov/mission_pages