هناك تساؤلات عدة حول الأدوية المكتشفة حديثًا لعلاج الالتهاب الكبدي الوبائي سي (Hepatitis C) والقضاء عليه. لذلك وجب علينا إلقاء نظرة عميقة لتوضيح فاعلية تلك الأدوية والمجهود المبذول عالميًّا للقضاء على المرض في المستقبل القريب.
يعد الالتهاب الكبدي الوبائي سي من الأمراض المعدية التي تؤثر مباشرة في الكبد، ويسببها فيروس التهاب الكبد سي الذي يؤدي إلى التهاب كبدي حاد أو مزمن. يعرف فيروس التهاب الكبد سي بأنه من الفيروسات التي تنتقل بواسطة الدم. وهناك عدة طرق للإصابة به، منها: إعادة استخدام الأدوات الطبية مثل الحقن أو عدم تعقيمها جيدًا، وذلك بالإضافة إلى نقل الدم الملوث.
سابقًا، كانت أدوية الإنترفيرون (Interferon) تستخدم بالإضافة إلى الريبافيرين (Ribavirin)، لمدة 48 أسبوعًا كعلاج أساسي لالتهاب الكبد الفيروسي سي؛ إذ عرفت بفاعليتها الضعيفة وآثارها الجانبية الكثيرة. وبناءً على بعض الدراسات التي أجريت عالميًّا، كانت الاستجابة الفيروسية لتلك الأدوية بنسبة ٤١٪، والتي أوضحها عدم وجود الفيروس في الدم بعد ٢٤ أسبوعًا من الانتهاء من العلاج. وهناك دراسة أخرى أجريت في مصر وضحت أن الاستجابة الفيروسية كانت بنسبة ٤٥-٥٥٪.
ولكن حدثت طفرة في علاج المرض عند اكتشاف الأدوية الحديثة المعروفة باسم «العوامل المباشرة المضادة للفيروسات» (DAAs)، والتي تتميز بفاعليتها القوية وآثارها الجانبية البسيطة. وقد أثبتت فاعليتها عند علاج النمط الجيني ٤؛ فقد زادت معدلات الشفاء ووصلت الاستجابة الفيروسية إلى ٩٠٪ عند استخدام أكثر من دواء. وتنقسم تلك الأدوية إلى نوعين، وتختلف فاعليتها على حسب النمط الجيني، والموقع المستهدف.
في الحقيقة، هناك عدة جهود عالمية للقضاء على فيروس سي، وسنلقي هنا الضوء على إحدى تلك الدول، وهي مصر؛ حيث بها أكبر عدد من المصابين، وتعد مثالًا يحتذى به بعد تدشين حملة للقضاء على المرض.
يعد حصر أعداد المرضى من أهم الخطوات لنجاح تلك الحملة؛ فحسب الإحصائيات نحو ٩٢,٥٪ مصابون بالنمط الجيني ٤، في حين إن ٣,٦٪ مصابون بالنمط الجيني ١،3.2% بالنمط الجيني المتعدد، وأقل من ١٪ مصابون بأنواع أخرى من النمط الجيني. ويرجع انتشار المرض إلى الفترة بين عامي 1960 و1980 لاستخدام الحقن الزجاجية لأكثر من شخص دون تعقيمها أثناء حملات واسعة النطاق للتخلص من البلهارسيا.
مع العلم أن هناك ستة أنواع من النمط الجيني لفيروس الالتهاب الكبدي سي مرقمة من ١ إلى ٦، كما أن هناك أنواع فرعية تُكتب بالحروف. فعلى سبيل المثال، نمط جيني١أ و ١ب. يصاب غالبية المرضى بنمط جيني واحد ولكن من المحتمل أن يصابوا بأكثر من نوع في نفس التوقيت، كما تختلف طرق العلاج على حسب نوع النمط الجيني المصاب به المريض.
لذلك، بذلت جهود مضنية في مصر للتخلص من فيروس سي على مر السنوات الماضية. وبعد إثبات فاعلية دواء سوفوسبوفير في شفاء أكثر من ٩٠٪ مقارنة بالإنترفيرون في الولايات المتحدة الأمريكية، نجحت مفاوضات الحكومة المصرية في عام ٢٠١٤ مع شركات الدواء الأمريكية بتوفير تلك الأدوية بسعر زهيد يكاد يكون بالمجان لعلاج جميع المرضى المصريين، ومدة العلاج به ١٢ أسبوعًا.
بعد نجاح تلك المداولات، اتخذت الحكومة المصرية خطوات سباقة بافتتاح ٥٦ مركزًا علاجيًّا في عام ٢٠١٦، والمستهدف الوصول إلى ١٠٠ مركز علاجي، وإنشاء قاعدة بيانات لتسجيل جميع المرضى الذين وصل عددهم إلى ١,٨ مليون مع المتابعة بعد شهر، وثلاثة أشهر، وستة أشهر للتأكد من التناقص في شدة الأعراض؛ ذلك بالإضافة إلى حصول الحكومة على ترخيص لإنتاج الأدوية محليًّا. نتيجة لذلك، قل سعر الدواء إلى أقل من ١٠٠ دولار لكورس علاجي مدته ٣ أشهر، كما توفر المستشفيات الحكومية الأدوية بالمجان، مع استمرارية تلك المساعي لحين القضاء على المرض.
علاوة على ذلك، تعاونت وزارة الصحة المصرية مع عدة جهات عالمية، ومنها منظمة الصحة العالمية، لوضع خطة استراتيجية تتمحور حول سبع نقاط للتخلص من فيروس سي، ومنها:
- تعزيز نظام مراقبة لمتابعة مدى انتشار الالتهاب الكبدي الوبائي سي، وكيفية تفشي المرض، مع قياس مدى فاعلية برامج الوقاية.
- تنفيذ برامج مكافحة العدوى للحد من انتقال فيروس سي، باستخدام وسائل عديدة، منها الحقن الآمن وبرامج تقييم للتأكد من جودة اتباع تلك الممارسات.
- تحسين خدمات نقل الدم للتقليل من انتشار المرض، عن طريق فحص دم المتبرع، والتأكد من الاستخدام المناسب لمنتجات الدم.
- الوقاية من أنواع التهاب الكبد الفيروسي مثل (A,B) باستخدام التطعيمات المناسبة، وتطعيم الأطفال حديثي الولادة والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالتطعيم ضد فيروس B.
- توعية المجتمع بطرق انتقال فيروس سي وكيفية الوقاية منه.
- توفير العناية الكاملة والعلاج المناسب للتقليل من انتشار المرض.
- الاهتمام بالبحث العلمي عن المرض، وترجمة تلك الجهود للممارسات العملية.
فيجب اتباع تلك الإرشادات التوعوية إلى جانب العلاج بالأدوية لجني ثمار الجهود المبذولة من قبل الحكومة المصرية للقضاء على فيروس سي في القريب العاجل.
المراجع
ncbi.nlm.nih.gov
treatmentactiongroup.org
who.int/news-room/fact-sheets/detail/hepatitis-c
worldbank.org