قد لا أكون من المؤمنين بالتنجيم والأبراج لأسباب علمية ودينية، ولكنني لا أستطيع تجاهل حضورهما القوي في الثقافة. ولأنني من مواليد برج الأسد، فقد نسبت لي بعض الصفات التي لا أستطيع إنكار صحتها تمامًا. فوفقًا لمجلة «كوزموبوليتان» Cosmopolitan، يحب مواليد برج الأسد القيادة والأداء، وأن يكونوا محل إعجاب ومدح واحترام من الآخرين. ولديهم أيضًا شعورًا بالفخامة المتأصلة، ويتعاملون من منظور الرئيس في أي علاقة أو جماعة، كما يتمتعون بالثقة والإشراق. ولكنهم قد يتسمون أيضًا بالغيرة وحب السيطرة والتملك في أسوأ حالاتهم. قد لا تنطبق هذه الصفات على جميع المولودين في الفترة من 23 يوليو إلى 22 أغسطس، ولكنها تنطبق بالتأكيد على الحيوان الذي ألهم ذلك البرج: الأسد.
يوافق يوم 10 أغسطس اليوم العالمي للأسد الذي أطلقه مأوى «إنقاذ القطط الكبيرة» Big Cat Rescue، وهو أكبر مأوى معتمد في العالم مخصص للقطط الكبيرة، ليحتفى بالكائن الأجمل والأشد رهبة في المملكة الحيوانية. وبينما يعد ذلك اليوم مناسبة ممتعة ومثيرة للجميع، إلا أنه تأسس استجابة لقضية خطيرة للغاية؛ إذ انخفضت أعداد الأسود لدرجة تستوجب إدراجها على قائمة الأنواع المهددة بالانقراض.
الأسد Panthera leo ثاني أكبر القطط الكبيرة في العالم بعد الببر؛ وينتمي النوعان إلى إلى فصيلة القطط Felidae، التي تضم أيضًا النمر واليغور. عادة ما يرمز الأسد إلى القوة والشجاعة، ولهذا فإنه يوحي بالملكية، ومن ثم جاء تلقيبه بـ«ملك الغابة»؛ إلا أن ملك الغابة لا يعيش في الغابات.
كانت الأسود تجوب شتى أرجاء قارتي إفريقيا وأوراسيا منذ ثلاثة ملايين سنة، أما الآن، فقد تقلص نطاق انتشارها ليضم بشكل أساسي مناطق السافانا جنوب الصحراء الكبرى والسهول والمراعي في إفريقيا، بالإضافة إلى جماعات معرضة لتهديد شديد بالانقراض تعيش في منتزه غابة غير الوطني في غرب الهند. وقد صنف الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) الأسود ضمن «الأنواع المعرضة للخطر والتهديد». فقد كانت تقدر أعداد الأسود الموجودة في قارة أفريقيا في خمسينيات القرن العشرين بـ50.000 أسد؛ أما اليوم، فقد تناقصت أعدادها إلى 21.000 أسد فقط. هذا ويقدر الباحثون أعداد الأسود الحالية حول العالم بما يتراوح بين 30.000 و100.000 أسد.
تكيفت الأسود مع موائلها عبر الزمن؛ فعلى سبيل المثال، يساعدها لونها على الامتزاج مع ألوان الصحراء ومناطق السافانا، كما تتميز الأسود التي تعيش في الصحراء بألباد أصغر حجمًا لتتكيف مع الحرارة. وتستطيع الأسود العيش في مناطق جافة مثل صحراء كالاهاري؛ حيث تحصل على أغلب كمية المياه التي تحتاج إليها من فرائسها أو من النباتات مثل بطيخ تساما.
معظم القطط البرية والأليفة تصطاد فرادى، ولكن الأسود على العكس حيوانات اجتماعية جدًّا. فيمكن أن يضم القطيع الواحد ما يصل إلى 30 أسدًا، ولكن عادة ما يتراوح العدد بين 10 و15 أسدًا منها 5 أو 6 لبؤات مع أشبالها، بالإضافة إلى ذكرين يتزاوجان مع إناث القطيع. تقوم اللبؤات بمعظم أعمال الصيد؛ حيث تعتمد أساليب ذكية لصيد الفرائس وتعمل في جماعة للإيقاع بها. كذلك تسلك «منهج الفريق» في ممارسات أخرى داخل القطيع.
فمثلًا، كثيرًا ما تلد اللبؤات في القطيع الواحد في وقت متقارب لتكوِّن حضانة تنشأ فيها صغارها معًا؛ فترضع الأمهات أي أشبال في قطيعها، وليس أشبالها فقط. ويتمثل الهدف الأساسي من تكوين هذه القطعان في السماح للأمهات بحماية أشبالها من الأسود التي لا تنتمي للقطيع والتي قد تحاول إيذائها.
عادة ما تبقى الإناث في القطيع الذي تولد فيه، في حين يُجبر الذكور على المغادرة عند بلوغها عامين حتى لا يتسنى لها التنافس مع الذكر المهيمن على القطيع. وبعدها يشكل الذكور مجموعات تبحث عن قطعان لتهيمن عليها. هذا وتنجح الذكور في الانضمام للقطعان فقط عندما تقبل الإناث هيمنتها على القطيع، فلا بد إذًا أن يكسب الذكر ود الإناث، وعادة ما تدوم هيمنته على القطيع في البرية من ثلاث إلى خمس سنوات.
تقضي الأسود من 16 إلى 20 ساعة يوميًّا في الراحة أو النوم. فهي تحتاج إلى الحفاظ على طاقتها لأنها لا تمتلك كثيرًا من الغدد العرقية، وهكذا فإنها تستلقي فقط وتراقب العالم من حولها. وتكون الأسود أنشط ليلًا عندما يكون الجو لطيفًا، إلا أنها تمارس معظم أعمال الصيد في أثناء النهار.
تعد الأسود من مفترسات القمة، ما يعني أنها في قمة السلسلة الغذائية، ولا تتعرض لهجمات إلا من البشر. ولمفترسات القمة أهمية كبيرة في الحفاظ على النظم البيئية، لأنها تتحكم في بقية المفترسات والفرائس الموجودة في موائلها. ويتسبب إزاحة مفترسات القمة من موائلها أو إجبارها على الرحيل في زعزعة النظام البيئي برمته.
تتعرض الأسود إلى تهديدات حقيقية؛ فهي تواجه خطرًا مزدوجًا يتمثل في «الصيد الترفيهي» من ناحية وزحف الإنسان داخل أراضيها البرية التقليدية من ناحية أخرى. تعد عظام الببر دواءً تقليديًّا شهيرًا في قارة آسيا؛ ولأن الببور أضحت نادرة، أصبحت عظام الأسود بديلًا لها. كذلك، يصطاد البشر الأسود من أجل المتعة؛ إذ يستهدف الصيد الترفيهي الذكور كبيرة الحجم التي تتمتع بالصحة، والتي عادة ما تكون ذكورًا مهيمنة في قطعانها. فيؤدي هذا إلى خسارة القطيع للحماية وترك أفراده معرضين للمخاطر من الأسود الأخرى.
ولهذا، يُعدُّ اليوم العالمي للأسد فرصة لمحبي الأسود حول العالم للتصدي لتناقص نطاق موائل ملوك الحيوانات. وقد تحددت ثلاثة أهداف لهذا اليوم؛ هي:
- رفع الوعي حول الأزمة التي تحيط بالأسود والمشكلات التي تواجهها في البرية.
- إيجاد حلول لحماية البيئة الطبيعية للأسود، مثل إقامة المنتزهات الوطنية والحدّ من توغل البشر في موائلها.
- تثقيف الشعوب التي تعيش بالقرب من القطط البرية وتعريف أفرادها كيفية حماية أنفسهم منها.
المراجع