هاجر البشر على مر العصور لأسباب عدة؛ أهما البحث عن مصدر للغذاء، وأرض خصبة صالحة للزراعة والرعي، ومياه صالحة للشرب، ثم كان البحث عن أماكن أفضل للمعيشة، وفرص أفضل للعمل والحياة عامة. وكذلك مثلت الكوارث سببًا في الهجرة، سواء كانت كوارث طبيعية مثل البراكين والأعاصير وغيرها، أو كوارث بأيدي البشر مثل الحروب التي كانت دافعًا لهجرة شعوب كاملة وتشريدها بعيدًا عن أوطانها.
أما الآن، فقد ظهر سببًا إضافيًّا للهجرة، وهو تغير المناخ. والمشكلة أن هذه الكارثة لم تُحدد طبيعتها حتى الآن، إذا ما كانت ظاهرة طبيعية أم حدث بأيدي البشر.
تغير المناخ ظاهرة طبيعية أم كارثة بيئية
ربما كان الاعتقاد السائد عند الأغلبية أن السبب الرئيسي في تغير المناخ هو التلوث الناجم عن الكميات الهائلة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة في غلافنا الجوي، خاصة بعد الثورة الصناعية، ولكن لا ينبغي أن نغفل أن مناخ الأرض يتغير بصورة طبيعية على مرِّ العصور. فاختلاف طاقة الشمس والانفجارات البركانية، على سبيل المثال، يمكن أن يكونا سببين رئيسيين في تغير المناخ على المدى الطويل. ومع ذلك، فهذه الأسباب الطبيعية لا تفسر الاحترار القوي الذي لاحظناه خلال القرن الماضي.
أجرى العلماء دراسات لمناخ الأرض من خلال تحليل عدد من المقاييس غير المباشرة للمناخ، مثل لب الجليد، وأطوال الأنهار الجليدية، وبقايا حبوب اللقاح، ورواسب المحيطات، ودراسة التغيرات في مدار الأرض حول الشمس. وقد وضحت هذه الدراسات أن المناخ يتغير بشكل طبيعي على مدى واسع من المقاييس الزمنية، ولكن هذا التباين لا يفسر الاحترار الملحوظ منذ خمسينيات القرن الماضي، لذا فمن المحتمل جدًّا أن النسبة الأكبر من أسباب الاحترار وتغير المناخ تُعزى إلى الأنشطة البشرية.
الهجرة بسبب تغير المناخ
إن التغير المناخي الذي شهدته الأرض في العقود الماضية، والذي جعل درجات الحرارة تتخطى 50 درجة مئوية في بعض البلدان بزيادة ضعف عدد الأيام عما كان قبل ثلاثين عامًا، أصبح سببًا جوهريًّا لفكرة الهجرة الجماعية إلى أجواء أكثر اعتدالًا. وقد هاجرت عائلات عديدة من غواتيمالا بالفعل بعد أن انقطعت الأمطار لعدة سنوات وجفت الأراضي ومات الزرع، فأصبح المكان غير مؤهل للعيش.
لقد تضاعف عدد المهاجرين على مستوى العالم خلال العقد الماضي، الأمر الذي يتطلب خطة لهجرة آمنة لمساعدة الناس على الانتقال من الخطر والفقر إلى الأمان والراحة، من أجل بناء مجتمع عالمي أكثر مرونة لصالح الجميع.
المناطق الأكثر تضررًا من تغير المناخ
قدر البنك الدولي عام 2018 وجود ثلاث مناطق هي الأكثر تضررًا من تغير المناخ، وسيحتاج عدد هائل من سكانها إلى الهجرة؛ وهي أمريكا اللاتينية وجنوب صحراء إفريقيا وجنوب شرق آسيا. وقد قدرت أعداد المهاجرين بسبب تغير المناخ بقرابة 143 مليون مهاجر بحلول عام 2050.
يجب الأخذ في الاعتبار أن تغير المناخ قد لا يكون السبب المباشر للهجرة المناخية، ولكن هذا التغير يتسبب في بعض المشكلات البيئية الأخرى التي تؤدي إلى النزوح أيضًا، مثل التصحر وارتفاع مستوى سطح البحر وتحمض المحيطات وتلوث الهواء وتحول أنماط المطر وفقدان التنوع البيولوجي. ولهذا، فإن الهجرة التي تحدث بسبب أي من هذه المشكلات البيئية تندرج أيضًا تحت قبعة الهجرة المناخية.
سواء كانت الأنشطة البشرية أو بعض العوامل الطبيعية السبب الرئيسي في تغير المناخ، فهذا أمر واقع يجب التعامل معه، وعمل خطة عملية وآمنة لنقل المهاجرين المتضررين من تغيرات المناخ إلى مناطق أكثر أمانًا، ويمكن الحياة بها بشكل طبيعي.
المراجع
brookings.edu
epa.gov
theguardian.com
Image cover by Freepik.