ندرس الرياضيات من مرحلة رياض الأطفال إلى المرحلة الثانوية أو الجامعية، ولكن كثيرون لا يشعرون بأهميتها في حياتنا اليومية، بل يرونها بلا أهمية في الواقع. إنهم حتمًا لا يعلمون أن الرياضيات ليست مسائل نحلها لنحصل على عليا الدرجات فقط، بل أحد أساسات تكوين الكون والعلوم كلها، حتى البيئة تعتمد على بعض الأسس الرياضية كي تتزن. فإسهام الرياضيات في الحفاظ على توازن البيئة أمر مهم طرحه، خاصة في مواجهة مشكلة تغير المناخ المتسعة يوميًّا بشكل ملحوظ.
فوضى البيئة أساس نظامها
قد يبدو النظام البيئي للوهلة الأولى عشوائيًّا؛ فكل الكائنات الحية والمواد غير الحية تتفاعل مع ما حولها ويفترس بعضها بعضًا، والبشر يستخدمون كثيرًا من كل ذلك حتى إن بعضهم يعتقدون أن تلك الكائنات والموارد ستنقرض من كثرة الاستهلاك. وذلك قد يحدث فعلًا في بعض الحالات إذا أُخل بالتوازن البيئي؛ لأن النظام البيئي ليس عشوائيًّا على الإطلاق، بل متزن بطبيعته، وكل تلك الكائنات والموارد خاضعة لنسب التوازن البيئي الثابتة. فمثلًا، نسبة الأكسجين دائمًا حولنا تكون 21٪، ولا تتغير النسبة نتيجة لعملية البناء الضوئي في النباتات وعملية التنفس في مختلف الكائنات، وهنا يبدأ عمل الرياضيات.
هل سمعت عن تطبيق علم الرياضيات في علم البيئة أو الإيكولوجيا الرياضية؟
في مجال البيئة يُكوِّن علماء الرياضيات نماذج وقوانين رياضية تعبر عن طريقة عمل الأنظمة البيئية ونسبها؛ وذلك من أجل حل مشكلاتها، وتوقع طريقة تطورها ونموها، وفهم سلوكها، وتفسير العلاقات بين السلاسل الغذائية المختلفة. وبذلك نستطيع استنتاج ما يجب أن نفعله للحفاظ على البيئة.
على سبيل المثال، نستهلك جميعنا الأسماك فنقلق من احتمال نقص أعدادها إلى الحد الذي يجعلها لا تكفينا بل تنقرض أيضًا. لذلك تصنع الحكومات محميات طبيعية بحرية لا يجوز فيها الصيد حفاظًا على الكائنات البحرية، كما توصل عالم رياضيات بجامعة ولاية أوريجون الأمريكية إلى معادلة رياضية تحدد الأماكن التي تصلح لجعلها محمية بحرية وفي الوقت نفسه صالحة للصيد؛ فيحدث التوازن بين الحفاظ على الأسماك من الانقراض وسد حاجتنا إلى الصيد. وهكذا يأمل هذا العالم أن تستخدم معادلته كلُّ حكومات العالم؛ لأنها ستسهم في استمرار التوازن البيئي.
محاولاتنا لامتلاك الأرض تعرضنا للخطر
إن الحفاظ على الكائنات البحرية وكل أنواع الكائنات الحية حولنا أساس الحفاظ على التوازن البيئي. فالإنسان يحتاج إلى التنوع البيولوجي في الأرض لكي تستمر طبيعيًّا. ولأن الأرض ليست أرضه وحده بل أرض لكائنات كثيرة، فأي خلل نصنعه في التعامل مع تلك الكائنات يضر بها، وأي استهلاك خاطئ للمواد غير الحية بالتأكيد خلل في التوازن البيئي. وكل مشكلات التوازن البيئي ستعرض حياة البشر للخطر، وأبرز تلك المشكلات الآن التغير المناخي.
نلاحظ في نشرات الطقس خرائط ملونة تعبر عن الطقس باللونين الأحمر والأصفر غالبًا، وتلك الخرائط والنماذج في علم الأرصاد الجوية مبنية على الإحصاءات الرياضية التي نستخدمها في توقع الطقس يوميًّا. ولذلك بَدَهِيّ أن نستخدم معادلات رياضية معينة تتوقع أي تغيرات تحدث في المناخ على المدى البعيد، إذ تُستخدم أجهزة كمبيوتر خاصة في حل تلك المعادلات الرياضية؛ ما يساعد الحكومات على اتخاذ القرارات المـُثلى لتجنب وقوع الكوارث المناخية في المستقبل عند التنبؤ بها مبكرًا. ومن هنا أصبح الاهتمام بالبحث العلمي في علوم الرياضيات أمرًا لا غنى عنه في أي دولة لمواجهة التغير المناخي. فالبحث العلمي يطور أدوات وتكنولوجيا الرياضيات؛ ما يساعد على إيجاد حلول سريعة لمشكلة التغير المناخي وغيرها من المشكلات البيئية.
إن الرياضيات تساعدنا على الحفاظ على الأنواع والمناخ، ومن ثم على التوازن البيئي وتوازن الأرض كلها. فيجب الاهتمام بدراسة الرياضيات اهتمامًا حقيقيًّا، وأن نربط مشكلاتنا وحياتنا بالرياضيات، لا أن تكون مصدرًا لإرهاب الطلبة، كما يجب تطوير البحث العلمي في علوم الرياضيات.
المراجع
dynamath.scholastic.com
ecologycenter.us
granthaminstitute.com
teachers-climate-guide.fi
oxfordbibliographies.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء/ ربيع 2021.
Cover image by Freepik