تشيرنوبل: كارثة من صنع الإنسان

شارك

كثيرًا ما يُبتلى كوكب الأرض بكوارث طبيعية مدمرة، مثل: البراكين، والزلازل، والأعاصير، وأمواج التسونامي. ومع ذلك، تسبب الكوارث التي يصنعها الإنسان خرابًا أكبر في كثير من الأحيان. نتحدث في هذا المقال عن كارثة تشيرنوبل، إحدى أسوء الكوارث التي تسبب فيها الإنسان عبر التاريخ.

وقبل التطرق إلى تفاصيل كارثة تشيرنوبل، دعونا نتعرف على مزيد من المعلومات عن محطات الطاقة النووية. كما نعلم، تُبنى محطات الطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربية؛ إذ تُولَّد الكهرباء من خلال الانشطار النووي باستخدام وقود اليورانيوم في قلب المفاعل النووي. في أثناء الانشطار النووي، تنشطر الذرات مُنتجةً الحرارة التي تستخدم لإنتاج البخار؛ ويستخدم البخار بدوره في تدوير التوربينات لتوليد الكهرباء. لمزيد من المعلومات عن محطات الطاقة النووية، طالع مقال «هل تعد الطاقة النووية حلًّا للاحترار العالمي؟».

ورغم أن محطة تشيرنوبل النووية هي الأولى في أوكرانيا، فإنها ليست الأولى في الاتحاد السوفيتي. وكانت مزودة بأربعة مفاعلات من طراز RBMK 1000 بُنيت في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. كان يوم 26 إبريل 1986 يومًا مشئومًا للعاملين في محطة تشيرنوبل النووية ولكل من كان بمقربة من المكان؛ إذ انفجر المفاعل الرابع مطلقًا إشعاعات خطيرة في الغلاف الجوي.

حدثت الكارثة جزئيًّا بسبب خطأ في تصميم المفاعل، ولكن لا يمكن غض النظر عن الخطأ البشري. فلم تتبع إجراءات السلامة بشكل صحيح خلال عملية الصيانة عندما أراد المشغلون التحقق من إمكانية تبريد المفاعل في أثناء انقطاع الكهرباء. ونتيجة لهذا، أدت زيادة الطاقة داخل المفاعل إلى انفجار مشئوم، أدى إلى كشف اللبِّ النووي لسوء الحظ.

حصد الموت أرواحًا كثيرة نتيجة مباشرة للانفجار، إلا أن تبعات انكشاف اللب النووي بنسبة تتعدى 30٪ من اليورانيوم لم تتوقف عند الموت. فقد عانى أشخاص كثيرون وكائنات أخرى متلازمة الإشعاع الحادة نتيجة التعرض لكميات كبيرة من الإشعاع في خلال فترة زمنية قصيرة. علاوة على هذا، أصيب الأطفال الذين تناولوا منتجات ألبان من الأبقار التي تغذت في المراعي الملوثة بسرطان الغدة الدرقية.

بعد انفجار المفاعل، وبهدف احتواء الضرر، تم إخلاء المنطقة من آلاف السكان، وحتى الآن لا يُسمح لأي شخص دخول منطقة الانفجار أو ما يحيط بها، ويُطلق عليها «منطقة تشيرنوبل المحظورة». ومن المقدَّر ألا تصبح تلك المنطقة قابلة للعيش مرة أخرى قبل مرور 20.000 سنة. على صعيد آخر، فقد شهدت المناطق المحيطة بالمنطقة المحظورة جهودًا كبيرة لإعادة تأهيلها. ولأن الكارثة أثرت في عدة بلدان – تحديدًا بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا – فإن نطاق تأثيرها أوجب وجود تعاون دولي.

منطقة تشيرنوبل المحظورة.  Image by Freepik.

فكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إحدى المنظمات التي بادرت بدعم المجتمعات المتضررة. كما انطلقت المبادرة المعروفة باسم منتدى تشيرنوبل بتعاون بين خمس منظمات تابعة للأمم المتحدة، والبنك الدولي، وحكومات البلدان المتضررة. وكان هدف المبادرة تقييم الحادث من الناحية العلمية، وتقديم حلول وتوصيات تتضمن برامج خاصة بالصحة والسيطرة على الضرر البيئي.

علاوة على هذا، وضعت منظمة الأمم المتحدة إعادة التأهيل الاقتصادي للمناطق المتأثرة بكارثة تشيرنوبل من بين الخطط الموضوعة قيد التنفيذ تحت الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة: العمل اللائق ونمو الاقتصاد. بالفعل، أدت منظمة الأم المتحدة دورًا رائدًا في إعادة تأهيل المنطقة؛ إذ أسست «صندوق تشيرنوبل الاستئماني» في عام 1991. كما أطلقت الأمم المتحدة على السنوات من 2006 إلى 2016 اسم «عقد التعافي والتنمية المستدامة للمناطق المتأثرة». وبفضل تلك الجهود، أصبح الانتعاش الاقتصادي واضحًا في المنطقة حاليًّا بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على الكارثة؛ إذ أصبح في بعض الأماكن نقاط جذب للمستثمرين.

إلا أن الاهتمام بالمشكلات البيئية والاقتصادية لم يكن كافيًا؛ فكان لا بد من الاهتمام بمخاوف الناس أيضًا، وتزويدهم بالمعرفة اللازمة حول كيفية التعامل مع الموقف. ولتحقيق تلك الغاية، خصصت وكالات تابعة للأمم المتحدة مليونين ونصف المليون دولار أمريكي لرفع الوعي وتوصيل المعلومات اللازمة إلى المجتمعات المتأثرة. هذا، وتهدف المبادرة إلى تحويل المعلومات العلمية إلى نصائح عملية تستطيع المجتمعات استخدامها من أجل حياة آمنة. إنها رحلة طويلة، ولكن مع وجود التعاون الدولي الفعال، يمكن لتلك المناطق أن تعود إلى طبيعتها.

وعلى الرغم من الأخطار المحتملة، تُعدُّ محطات الطاقة النووية صديقة للبيئة لأنها لا تُنتج انبعاثات لغازات الدفيئة. وإن كان لكارثة تشيرنوبل أي أهمية، فهي أنها قد نبهت العالم إلى مدى خطورة محطات الطاقة النووية إن لم يتم تُشَغَّل بحرفية، وأن علينا توخي الدقة والحذر عند التعامل معها.

المراجع

chnpp.gov.ua
conserve-energy-future.com
eia.gov
express.co.uk
greenfacts.org
history.com
iaea.org
livescience.com
nationalgeographic.co.uk
nationalgeographic.com
news.un.org
world-nuclear.org
world-nuclear.org/safety

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية