المتاحف الغارقة

شارك

منذ قديم الأزل، شغلت الحياة تحت الماء خيال الإنسان، وتداولت القصص القديمة والحديثة قصصًا لمدن تقع تحت مياه البحار والمحيطات، وكائنات لها حياتها وقصصها. فمن منا لم يسمع قصص مثل قصة مدينة أطلنتس المغمورة تحت المياه التي استخدم سكانها أسلحة وتكنولوجيا جبارة، أو قصص البحارة عن عروس البحر التي تناديهم بأسمائهم وتسحبهم معها إلى قاع المحيط، ومنها القصص التي اقتُبست في الأفلام السينمائية الحية أو أفلام التحريك التي تحكي عن هذا العالم الخرافي وتتخيله.

ومع تطور الإنسانية، تأثرت الكرة الأرضية بكل مكوناتها، فحتى الفضاء لم يسلم من عبث الإنسان والتلوث الرهيب الذي خلفته الثورة الصناعية المهولة بداية من القرن العشرين. وقد أدى تأثر البحار إلى تدمير مساحات شاسعة من الشعب المرجانية وما يصاحبه من آثار سلبية في الحياة البحرية. وتكمن المفارقة الطيبة في إمكانية مساهمة بعض آثار التطور البشري في تعويض الشعب المرجانية، والعمل بمثابة شعب اصطناعية تعزز نمو المرجان فوقها ومن ثم تعزز التنوع الحيوي البحري. ومن أمثلة تلك الآثار التي تعمل أيضًا بمثابة متاحف تحت المياه المدن أو السفن الغارقة.

جمهورية مصر العربية غنية بهذه المناطق؛ فهناك مدينة هرقليون التي تبعد قرابة كيلومترين ونصف من خليج أبو قير، والتي تضم بقايا قصور وكثير من التماثيل المميزة يظهر فيها الدمج بين أسلوب النحت المصري القديم والأسلوب البطلمي. وتحاول منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو) بالاشتراك مع عديد من الهيئات بالإسكندرية إقامة متحف كبير يعرض هذه الآثار للجمهور ومحبي الغطس والباحثين. ويوجد أيضًا موقع سفينة ثيسلجورم العسكرية التي أغرقتها القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية بالقرب من رأس محمد في مصر، والتي تعتبر من أفضل مواقع الغطس في العالم وتزخر بتنوع كبير من الكائنات البحرية مثل سمك الخفاش والباراكودا والهامور.

ومع نمو الاهتمام بالحفاظ على البيئة البحرية أجرى عديد من الباحثين والفنانين دراسات تطرقت إلى استخدام خامات صديقة للبيئة تصلح لبناء مزيدًا من تلك الأسطح الصلبة تحت المياه لتنموا عليها الشعب المرجانية. وفيما يلي نستعرض عددًا من المتاحف المنشأة تحت البحار حول العالم.

متحف شاطئ نصف القمر (المملكة العربية السعودية)

أنشأ فريق من الغواصين بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية أول متحف لمعالم دول الخليج العربي تحت مياه شاطئ نصف القمر بالدمام. وخلال الغوص، يتمكن الزائرون من رؤية مجسمات لبرجي الفيصلية والمملكة الموجودين في مدينة الرياض عاصمة المملكة، وأبراج الكويت، ومركز البحرين التجاري العالمي، وبرج خليفة بالأمارات. بالإضافة إلى دور المتحف في الجذب السياحي، فإنه يضم قطعًا جاذبة للأسماك، بهدف إحياء البيئة البحرية المحتضرة نظرًا لندرة الشعب المرجانية التي تساعد على تكاثر الأسماك في المنطقة.

متحف الكانكون الغارق (المكسيك)

في جزيرة موخيريس القريبة من سواحل مدينة كانكون المكسيكية بالبحر الكاريبي، نفَّذ النحَّات البريطاني جيسون ديكاريس تايلور –بالتعاون مع خمسة نحاتين آخرين من المكسيك– متحفًا غارقًا تحت الماء هو الأول من نوعه في العالم؛ إذ يعبر عن تفاعل خاص بين الفن والعلوم الطبيعية. يُعرف هذا المتحف بمتحف الكانكون الغارق، وقد استغرق إنشاؤه قرابة أربع أعوام، من 2009 إلى 2013. يضم المتحف ثلاثة مباني، اثنان منهم تحت الماء يضمان مجموعة مكونة من 500 تمثال.

وتعود فكرة إنشاء هذا المتحف إلى خايمي غونزاليس كانتو، مدير حديقة الكانكون البحرية الوطنية، إذ لاحظ تضرر شعب مانتشونيس المرجانية –وهي الأكبر في كانكون بالمكسيك– نظرًا لشدة إقبال السائحين والغواصين على زيارتها. فكان الغرض الأساسي من إنشاء المتحف هو تعزيز نمو الشعاب المرجانية؛ فشيدت التماثيل من أسمنت من نوع خاص ذي درجة حموضة تشجع على نموها، ويجذب الطحالب ومختلف الأنواع البحرية مع الوقت.

Photo soucre.

تحف أتلانتيكو (إسبانيا)

يُعدُّ متحف أتلانتيكو أول متحف تحت الماء في قارة أوروبا، وهو يقع في جزيرة لانزاروت في إسبانيا قبالة ساحل باهيا دي لاس كولورادس. يضم المتحف أكثر من 300 تمثال بالحجم الطبيعي، وقد استغرق بنائه قرابة ثلاث سنوات وافتُتح عام 2017. يتكون متحف أتلانتيكو من اثنتي عشرة منشأة كبيرة تحت المياه، صممها أيضًا النحَّات البريطاني جيسون ديكاريس تايلور، وهذا المتحف هو كبرى مشروعاته.

يستطيع الغواصون القيام بجولة في المتحف تحت الماء والاستمتاع بالمنحوتات التي وضعت على عمق عشرة أمتار تقريبا في قاع البحر. وبالطبع، نُحتت التماثيل من مواد محايدة لدرجة الحموضة لتدوم مئات السنين بمثابة شعب اصطناعية تزدهر فيها الحياة البحرية. وعلاوة على دور متحف أتلانتيكو في رفع الوعي البيئي وتسليط الضوء على القضايا البيئية البحرية، فإن بعض منحوتاته تلقي الضوء أيضًا على أزمة اللاجئين والنازحين لأوروبا، في مشاهد لأطفال تجدف في قوارب الصيد باحثين عن الأمل. ومن المتوقع أن يكون هذا المتحف بمثابة حديقة ومحطة معيشية للأخطبوطات وقنافذ البحر والأسماك.

*************

تلقي حضارة الإنسان وإبداعاته الفنية بظلالها الطيبة تحت سطح المحيط؛ فتحمل في طياتها لمحات من تاريخ البشرية وثقافتها، وتعكس إحساس العالم والفنان بالمسؤولية البيئية، وتُعطي أملًا لمختلف أشكال الحياة البحرية ولمستقبل كوكب الأرض.

*Cover photo, Museo Atlántico, source.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية