هل تعرضت من قبل إلى حادث مؤلم، أثر عليك سلبًا لفترة من الوقت؟ هل عانيت من القلق والتوتر بعد صدمة نفسية لم تقدر بعدها على ممارسة أعمالك اليومية البسيطة؟ يحتمل أنك تعرضت يومًا ما لحدث مكروه أو أذى نفسي جعلك تعاني لأسابيع، أو ربما لسنوات. يعرف القلق والارتباك اللذان شعرت بهما باضطراب ما بعد الصدمة.
وتبسيطًا للأمر، تخيل معي شخصًا تعرض إلى حادث سير نتيجة سرعة مفرطة في القيادة، إذا شُخصت حالة هذا الرجل بأنه يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، فسوف تجده رافضًا لركوب أو قيادة السيارات، كما يشعر بالقلق والخوف حيال وجوده على طريق. وستجده يستعيد تلقائيًّا ذكريات كل ما حدث إذا تعدت سرعة السيارة الحد المسموح، وتتأثر وظائفه الفسيولوجية؛ فتتسارع ضربات قلبه، ويزداد معدل تعرقه، وقد يصل في بعض الحالات لنوبات من الهلع يصعب على الشخص السيطرة فيها على نفسه.
ما اضطراب ما بعد الصدمة إذًا؟
هو اضطراب نفسي عقلي، يحدث نتيجة التعرض إلى مسببات نفسية مؤذية كحادث سير أو اعتداء جنسي، أو التعرض إلى السرقة أو التعنيف الأسري، أو إن شهدت كارثة بيئية أو حربية. ويتسم الاضطراب بذكريات متكررة مؤلمة للحادث الذي تعرضت له؛ تسبب لك مشاعر خوف شديد تؤثر على طريقة تفكيرك ومزاجك فيحدث الآتي:
- تتذكر تفاصيل الحدث المؤذي إذا تعرضت للظروف نفسها السابقة الملابسة له؛ مما يسبب إجهاد عصبي حاد.
- تشعر بالقلق والارتباك المبالغ فيهما؛ فإذا كنت ممن شهدوا حربًا أو مظاهرات عنيفة سابقًا، ستشعر بالرعب إذا سمعت صوت انفجار حتى لو كان إطار سيارة.
- تصاب باضطرابات في النوم؛ فقد يتجه الشخص للنوم لساعات طويلة أو قد يعاني من الأرق بسبب كثرة الكوابيس.
- قد تتجه إلى الانطواء والابتعاد عن أي محيط قد يذكرك بالحادث ويشمل الأشخاص، والأماكن، والأشياء وحتى أبسط الأفعال؛ فمثلًا إذا وصل الشخص خبر وفاة قريب له عن طريق الهاتف، فمن الأرجح أنه كلما رن الهاتف شعر بارتباك وقلق.
- في بعض الحالات يحدث فقدان مؤقت في الذاكرة لبعض الأحداث المرتبطة به، فقد لا تتذكر كيف بدأ وكيف تواترت الأحداث.
تتفاوت درجة التأثر والاضطراب من شخص لآخر حسب شخصيته ودرجة خطورة الحدث، ولكن بوجه عام يجب ألا نهمل أو نتجاهل علاج هذا الاضطراب.
ما علاج اضطراب ما بعد الصدمة؟ وما الخطوات الأساسية التي تصلنا لمرحلة نمو ما بعد الصدمة؟
ينقسم علاج هذا الاضطراب إلى علاج نفسي وعلاج دوائي: أما عن العلاج النفسي، فيشمل علاج سلوكي معرفي يشجعك على تذكر الحادث والتعبير عن مشاعرك إما مع معالج نفسي أو من خلال مجموعات دعم لديهم اضطراب مماثل ما يشعرك أنك لست بمفردك. وأما عن العلاج الدوائي، فيشمل مضادات الاكتئاب والمهدئات التي يصفها الطبيب.
وحتى نتحول من اضطراب ما بعد الصدمة إلى نمو ما بعد الصدمة يجب على الشخص المصاب اتباع الآتي:
- تطوير مهارات تنموية تزيد من مرونته الشخصية وتأقلمه وتعامله مع الأحداث المؤلمة.
- تغيير نظرته للعالم من حوله وإدراكه للواقع والمجهول وأن الحياة تحمل الخير والشر وعلى الإنسان تقبل الأمور كما هي برضا وطمأنينة.
- الانغماس في العلاقات الاجتماعية؛ حيث يؤدي الدعم الاجتماعي دورًا مهمًا في عملية التعافي.
وأخيرًا، التعامل مع الاضطراب وترويضه جزء مهم في رحلة الشفاء والتعافي، يجعلك تتقبل الصدمة ويدفعك إلى التخلص من الآثار السلبية التي تعانيها في حياتك اليومية. يجب أن تدرك أن رد الفعل أمر الطبيعي وأن التعافي لا يعني النسيان بل التجاوز. فالتجارب الصعبة التي نمر بها ليست نهاية الطريق بل بداية لنمو أعمق وتطوير شخصي يمكن أن يغير حياتنا للأفضل.
المراجع
psychiatry.org
nhs.uk
medlineplus.gov
Cover image by Freepik.